في البحث عن الحكمة... ملاحظات حول رد فارس محمود على مقال لمؤيد احمد
جلال الصباغ
2025 / 7 / 27 - 15:01
لا أحد ينكر أهمية النقد بالنسبة للحركات والأحزاب الشيوعية، وما يؤديه هذا النقد من دور في الارتقاء بالحركة ودفعها إلى الأمام، وتسليط الضوء على نقاط الضعف وتجاوز العقبات، لكن تبقى منطلقات هذا النقد والأرضية المستند إليها هي المحدد لطبيعته وهي التي تقرر إذا ما كان نقدا ينطلق من المنهج الشيوعي ام ينطلق من موقع آخر.
لست هنا في معرض الدفاع عن مؤيد أحمد، فمن حقه الرد على فارس محمود، وهو من يمتلك الاجابات الوافيه حول الاتهامات الموجه له. ورغم اني لم انتمي للشيوعي العمالي في يوم من الايام، الا انني أرى ما كتبه فارس محمود، هو هجوم يشوبه التحامل والرغبة في التشويه، كما إنه تزييف للحقائق وتقويل لمؤيد ما لم يقله اصلا في مقاله القصير.
يرى فارس محمود أن مؤيد أحمد في استذكاره لجريمة اغتيال خمسة من كوادر الحزب الشيوعي العمالي على يد الاتحاد الوطني في علم ٢٠٠٠، محاولة لنقد والنيل من هذا الحزب أكثر منه استذكارا لتضحيات الرفاق الخمسة وبقية أعضاء وكوادر الحزب. وهذا الأمر غير موجود في مقال مؤيد والذي بالإمكان الاطلاع عليه، فهو لم يقل أن المضحين الخمسة ليسوا من الحزب الشيوعي العمالي ولم يقل أيضا أنه لم يكن داخل هذا التنظيم وسكرتيرا له في فترات أخرى وهذا ما ذكره تحديدا في تخليد ذكرى الرفاق الخمسة الذين تم اغتيالهم.
أن أكثر ما يثير الاشمئزاز في تصور فارس محمود ورؤيته لمقال مؤيد، هو أنه ما دام مؤيد يفسر سياسات الحزب الشيوعي العمالي العراقي بالمساومة والانزلاق نحو التصور والافق القومي في مرحلة محددة من تاريخة، فإن هذا يبرر بحسب تصورات فارس محمود عن مؤيد أحمد يبرر للاتحاد جريمته.! فأي تشويه وحرف للحقائق يمارسه السيد فارس محمود؟ وما هو المنهج الذي اعتمده في تفسيره هذا؟ أليس في ذلك تجني ومحاولة لمسح تاريخ من التضحية حتى بالحياة من قبل مؤيد ورفاق آخرين داخل صفوف الحزب الشيوعي العمالي.
يؤكد فارس محمود أن مؤيد أحمد لا يريد مغادرة فترة التيار الشيوعي ( الروت ) والتي هي فترة انقضت وانتهت منذ ثمانينيات القرن الماضي بحسب ما يرى، ولسنا نعرف من أعطى لفارس الحق في ان لا يتذكر احد او يذكر تاريخ هذه الحركة باعتبارها جزء من تاريخ الحركة الشيوعية في كوردستان والعراق، فمثلما يدافع السيد فارس محمود عن حزبه وتاريخه والذي لا ينكره عليه أحد، فمن حق الآخرين معرفة تاريخ حركة الروت.
كما لا ينفك السيد فارس من تذكير مؤيد أحمد في كل فقرة من رده تقريبا مبينا له، انك كنت عضوا وسكرتيرا لهذا الحزب في يوم من الايام، وعلى مدار عقود من الزمن، فلماذا هذا التنكر لحزبك! وكأنها ليست سياسة وصراع سياسي أدى في الاخير إلى استقالة مؤيد أحمد ورفاق آخرين في المحصلة النهائية. استقالة جاءت لأسباب سياسية وتنظيمية إحداها الموقف من قضية استفتاء استقلال إقليم كوردستان. وكأنه بهذا التذكير الدائم يحاول إشعار مؤيد أحمد بالذنب والخطيئة عن مس قدسية الحزب. كما أن تصورات فارس محمود تبين للآخرين وكأن الرؤية والمنهج السياسي داخل الحزب كانت واحدة ومنسجمة طوال الوقت وعلى مختلف القضايا. وهذا منافي للحقيقية الموضوعية بالطبع.
أن معاداة الحركات القومية والإسلامية وكل الحركات والأحزاب البرجوازية للشيوعية أمر مفروغ منه، وهذا ما يراه فارس محمود ويراه جميع الشيوعيين، وهو لا يرى في ذلك أي سياسة وتحليل كما فعل مؤيد أحمد في تناوله لاستهداف الحزب الشيوعي العمالي وقتل الرفاق الخمسة من قبل الاتحاد الوطني. فارس محمود ورغم أن مؤيد أحمد ذكر أكثر من مرة اسم الحزب الشيوعي العمالي كمستهدف في هذه العملية، فهو يريد التقليل من هذا الأمر ويسعى لاقناعنا أن مؤيد جاحد ومتناسي لهذا التاريخ. وكأن القول أن العداء للشيوعية من الاتحاد الوطني تقليل من شأن الحزب.
أن تصوير الصراع بين أصحاب الملكية من جهة ممثلين في كوردستان بالأحزاب القومية وبين العمال والمفقرين ومختلف الشرائح الاجتماعية المضطهدة من جهة اخرى، يراه فارس محمود مجرد شعارات وهوس لفظي غير سياسي. أما السياسة بالنسبة له فهي سياسة البديل السياسي. وماذا يطرح هذا البديل السياسي؟ وكيف يستولي على السلطة؟ وما هو برنامجه؟ هل يأتي بانقلاب عسكري؟ ام عن أي طريق... لا أحد يعلم.
أن الانخراط في نضالات جماهير العمال والنساء والمفقرين بالضد من مستغليهم ومضطهديهم، وتقوية وبث السياسة والمنهج الشيوعي داخلهم هي مهمات الحزب الشيوعي، وبالتالي فإن السياسة الشيوعية تنطلق من هنا من صراع الجماهير على معيشتها ورفاهيتها وحياتها وليست معزولة بشكل تعسفي عنها، وما التجليات السياسية لشكل الصراع سواء أكانت بأي مظهر فهي في جوهرها صراع طبقي، يتطلب التعامل معها على هذا الأساس. أو الانزلاق إلى الواقعية السياسية، التي تمارسها الكثير من الأحزاب الشيوعية والتي أدت بها إلى الارتماء في أحضان البرجوازية، والمشاركة في انتخاباتها التي تسيطر عليها هذه القوى بشكل مطلق.
أن الحكمة التي يبحث عنها فارس محمود عند مؤيد أحمد لا أعتقد أنه سيجدها، لأنها حكمة ستكون عند ذاك مفصلة على مقاسات السيد فارس.