ذي القرنين: حين ينهار المنطق أمام النص ( غيبوبة الفكر )..2
ليث الجادر
2025 / 7 / 24 - 02:52
اضطراب مسار الشمس: من الدأب إلى الغروب في عينٍ حمئة
في مواضع أخرى من النص القرآني، تُصوَّر الشمس والقمر بأنهما "دَائِبَان" (يَسْبَحَان في انتظام)، كما في قوله: "وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ". لكن في سياق قصّة ذي القرنين، تتعرض حركة الشمس لتشويه بالغ في بنيتها التصورية، إذ تصبح الشمس كيانا متحركًا يُدرَك من خلال موقع غروبها أو شروقها، لا ككائن سماوي في مدارٍ معلوم.
يقول النص: "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ...". وهنا يتحوّل غروب الشمس إلى نقطة تماس محسوسة: تغرب "في" عينٍ حمئة. لا يظهر هذا كمجاز شعري، بل كوصف مكاني حسي مباشر. المشهد يوحي بحدودٍ للأفق، وبنهاية عينية لمسار الشمس، تنغمس فيه كتجسيد نهائي للحركة.
لكن حين ينتقل النص إلى المشرق، لا يعود يحافظ على ذات المستوى من التحديد الحسي، بل يقول: "ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا". لم يُقَدَّم هنا مشهد للشمس وهي تخرج من شيء، بل حوّل المحور من الشمس ذاتها إلى القوم المكشوفين لأشعتها. وكأن النص عجز عن تصور تموضع مكاني لشروق الشمس مقابل وضوحه عند الغروب، فتراجع إلى توصيف البيئة البشرية بدلاً من الفضاء الكوني.
الاختلال واضح: كيف تخرج الشمس من "العين الحمئة" لتبدأ مسيرًا جديدًا نحو مشرق لا يُحَدّ؟ كيف يُفترض أن تُحافظ على "دَأْبِهَا" –أي حركتها المستمرة– إن كانت قد غابت في مستنقع؟ وكيف لم ينتبه النص إلى تناقض بنيوي بين وحدة المسار في الفضاء الفلكي، وبين هذا الانقطاع الحسّي الذي يُشبه توقف الشمس عند حافة الأرض المسطحة؟
المشكلة هنا تتجاوز التصور الفلكي الخاطئ، لتشير إلى اضطراب في منطق الرد نفسه. النص أراد أن يستعرض سلطة ذي القرنين عبر سرده لرحلة شروق وغروب، لكنه حين حاول أن يُوظّف الكون كفضاء للسرد، انكشفت له محدودية تصوره الكوني، فأنتج فجوات لا يردمها الا دفع العقل الى غيبوبه