ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة!


ادم عربي
2025 / 7 / 21 - 20:45     

ما لا يدركه الليبراليون: الحرية كقناع للعبودية الحديثة
بقلم: د. ادم عربي

في خضم السجالات الفكرية بين الليبرالية والاشتراكية، يطرح الليبرالي هذا السؤال الذي يبدو بريئاً في ظاهره:
"أيهما شرط الحياة: الحرية أم وسائل الإنتاج؟"
ثم ينطلق من هذا الطرح ليهاجم الاشتراكية، بزعم أنها تؤدي إلى "امتلاك الدولة للحياة"، وقمع الحريات، والتزلف والانتهازية، بينما يجمّل الرأسمالية باعتبارها منظومة تضمن الحرية، لأنَّ العامل "حرّ" في أنْ يعمل أو لا يعمل، وأنْ يفاوض أو يضرب.

لكن خلف هذا الخطاب تكمن جملة من المغالطات الجوهرية التي تكشف، لا عن فهم حقيقي للحرية، بلْ عن قراءة ساذجة وبالغة السطحية لطبيعة النظام الرأسمالي نفسه، ولعلاقة الإنسان بوسائل إنتاج حياته.

أولاً: الحرية لا تعني شيئاً بلا وسائل الحياة
يبدو أنَّ الليبرالي ينسى أو يتناسى أنَّ الحرية المجرّدة عن السيطرة على شروط الحياة المادية، ليست حرية، بلْ مهزلة مأساوية. العامل الذي لا يملك أرضاً ولا مصنعاً ولا مكتباً ولا مالاً ولا أدوات ولا وسيلة للبقاء، هل هو "حرّ" لأنه يستطيع أنْ يختار بين الموت جوعاً أو بيع نفسه لسيد العمل؟

هل هذه هي "الحرية" التي يمجّدها الليبرالي؟
كارل ماركس كتب بوضوح:

"العمل المأجور لا يحرر الإنسان، بلْ يكرّس عبوديته بطريقة جديدة. العامل لا يبيع عمله، بلْ يبيع حياته، شيئاً فشيئاً."

وما يغفله الليبرالي أيضاً أنَّ من يملك وسائل الإنتاج يملك في الحقيقة وسائل السيطرة، ووسائل التشريع، ووسائل الإعلام، ووسائل تشكيل الوعي الجماهيري. ومن هنا، فإنَّ الحديث عن "حرية" في ظل هذه البنية، هو محض خرافة.

ثانياً: الدولة الاشتراكية ليست "الجلاد"
إنَّ تشويه تجارب الصين أو الاتحاد السوفيتي أو كوريا الشمالية بوصفها دليلاً على فشل الاشتراكية، يُعد قفزاً فجاً على الوقائع التاريخية وتعميقاً لكليشيهات الحرب الباردة.

فهذه التجارب لم تُمنح يوماً فرصة النضج بمعزل عن الحصار والتآمر والحروب. والخطأ ليس في فكرة امتلاك المجتمع وسائل إنتاجه، بلْ في تحوّل تلك الملكية العامة إلى سلطة بيروقراطية مغلقة. ولو أنَّ ماركس شاهد هذه النماذج لقال "إني لست ماركسياً او دعا للرأسمالية بطول البقاء ".

والأهم أنَّ ما يسميه الليبرالي "قمعاً"، هو غالبا مقاومة للدولة لعودة البرجوازية، أي منع لاستعادة السيطرة الطبقية باسم "الحرية الفردية". وهل ننسى أن الديمقراطيات الغربية دعمت كل الديكتاتوريات وما زالت التي حافظت على حرية السوق وقمعت الاشتراكية؟
كما أنَّ ما يهول له الإعلام الرأسمالي وهو ديكتاتورية البروليتاريا ويصورها شر الشرور مع أنها وكما تحدث ماركس عن ديكتاتورية البروليتاريا باعتبارها لحظة تاريخية، أي مرحلة مؤقتة وعابرة. تحدث عنها باعتبارها مدخلاً ضرورياً لإنهاء صراع الطبقات. ماركس فهم الديمقراطية على أنها شكل للدولة؛ فكيف لهذا الشكل أنْ يبقى إذا ما زالت الدولة في الشيوعية وبها؟! ماركس تحدث عن الحرية باعتبارها أرقى وأعلى من الديمقراطية. ماركس تحدث عن العنف الثوري باعتباره رد فعل من جانب البروليتاريا، ملاحظاً إمكانية الانتقال السلمي في بعض الدول.
وكلامي هذا عن ماركسية ماركس إنما يُراد منه تمييزها عن ماركسية ستالين وأتباعه؛ فـماركسية لينين هي ، من حيث الجوهر والأساس، امتداد لماركسية ماركس

ثالثاَ: العامل يبيع جهده في كلا النظامين؟ نعم، لكن…
الحجة الليبرالية القائلة إنَّ العامل يبيع جهده في كلا النظامين (الرأسمالي والاشتراكي) تُغفل جوهر الفارق:

في الرأسمالية: العامل يبيع جهده لصاحب رأس المال، أي يعمل تحت سيطرة مالك خاص يستخرج منه فائض القيمة.

في الاشتراكية: العامل ينتج في إطار ملكية اجتماعية، حيث الأرباح تعود للمجتمع، لا لفرد.

الحرية ليست في "البيع"، بلْ في لمن تذهب الثمرة.
هل أعمل لأراك تزداد ثراءً، أم أعمل كي نبني معاً مشفى ومدرسة وسكناً؟

رابعاً: الحريات تحت الرأسمالية؟ وهم جميل
يقول الليبرالي إنَّ الرأسمالية تضمن الحريات، وأنَّ المنافسة تجبر الرأسمالي على احترام العامل. لكن هذا الطرح مثالي تماماً، ويتجاهل واقع الاستغلال والقمع والتفاوت الطبقي الهائل، بلْ ويتجاهل أنَّ الرأسمالية اليوم تعني احتكار السوق، لا المنافسة ، وحتى لو وجدت المنافسة فهي بين الرأسماليين ولا شأن للعامل بها ، فهم الرأسماليون يتنافسون فيما بينهم بتقليل القيمة التبادلية للسلعة عن طريق استخدام أحدث تكنولوجيا ، وبهذا يكون العامل أول ضحايا جيش العاطلين عن العمل والتي هي استراتيجية رأسمالية

ثم أية "حرية" هذه حينما يعيش ملايين العمال تحت سيف الديون، والمهددين بالطرد، والمحرومين من الصحة والتعليم الجيد؟
هل حرية التعبير تعني شيئاً حين لا تملك منبراً؟

وهل حق الإضراب فعّال في ظل قوانين تفصل المضربين وتكسر نقاباتهم؟
النظام الرأسمالي هو حرية تعبير ممنوعة من التغيير لمن لا يعرف

خامساً: من يملك الحياة؟ من يملك شروطها
إنَّ السؤال الحقيقي ليس: هل أفضّل الحرية أم وسائل الإنتاج؟
بلْ: هل توجد حرية فعلية دون امتلاك وسائل الإنتاج؟

الجواب واضح:
من لا يملك القدرة على إنتاج طعامه، ومأواه، ودوائه، هو عبد حتى لو مُنح حق الصراخ.
من يملك وسائل الإنتاج، يملك شروط الحياة، وبالتالي يملك الآخر، بالمعنى الطبقي.

أما الحرية المجردة التي يتغنى بها الليبرالي، فهي مثل أنْ تعطي فقيرا ًمفاتيح قصر لا يملك أنْ يدخله.


الليبرالية تفترض أنَّ الإنسان كائن قانوني يتفاعل بحرية في سوق مفتوحة، بينما الواقع أنَّ الإنسان كائن مادي، يحتاج للطعام والسكن والعمل قبل أنْ يرفع شعارات "الحرية".
الحرية ليست نقطة البداية، بلْ هي نتيجة لامتلاك الجماعة لوسائل إنتاجها.
ومن دونها، لن تكون الحرية سوى ستار يُخفي وراءه العبودية الجديدة.

وهنا يكمن ما لا يدركه الليبراليون....