تقرير ألبانيز يتهم شركات عالمية بالمشاركة في الإبادة الجماعية
سعيد مضيه
2025 / 7 / 18 - 18:13
"بات اضطهاد الفلسطينيين نشاطا مؤتمتًا بالتدريج، حيث تُغذي شركات التكنولوجيا نهم إسرائيل الأمني بـتطويرات لا مثيل لها في أجهزة الاعتقال والمراقبة"، ينقل بينوي كامبارك عن تقرير مفوضة حقوق الشعب الفلسطيني، فرانشيسكا البانيز، ا وبسببه تتعرض لحملات قاسية .
عمل بينوي كامبمارك باحثًا بقضايا الكومنولث في كلية سيلوين، كامبريدج، وحاليا محاضر بجامعة RMIT في استراليا
يُفضي إلى قراءةٍ قاتمةٍ ومظلمة، يُشير تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المعنون "من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية"، إلى "كياناتٍ مؤسسية" أثرت "باقتصاد الاحتلال غير الشرعي الإسرائيلي، والفصل العنصري، والآن من الإبادة الجماعية". تقرير اعدته فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وهو تقريرٌ لا يتردد في تقييماته وتحذيراته للشركات التي تتعامل مع إسرائيل.
ما يجعل هذا التحقيق الذي أجرته ألبانيز مفيدًا هو فحصه لعالم الشركات وصلاته بالبرنامج الاستعماري الاستيطاني لإزالة وتشريد سكانٍ موجودين مسبقًا. إن آلية غزو أي دولة لا تشمل بالضرورة شاغلي الوظائف المكتبية في البيروقراطيات المدنية والقادة العسكريين رفيعي المستوى فحسب، بل تشمل أيضًا العاملين في قطاع الشركات، الساعين إلى تحقيق الربح. تكتب ألبانيز: "لطالما كانت المساعي الاستعمارية وما صاحبها من إبادة جماعية مدفوعة ومُمَكَّنة من قِبَل قطاع الشركات. وقد ساهمت المصالح التجارية في تجريد الشعوب الأصلية من أراضيها - وهو نمط من الهيمنة يُعرف باسم "الرأسمالية العنصرية الاستعمارية".
ثمانية قطاعات خاصة باتت تحت تدقيق صارم: شركات تصنيع الأسلحة، وشركات التكنولوجيا، ومؤسسات البناء والتشييد، والصناعات المعنية بالاستخراج والخدمات، والبنوك، وصناديق التقاعد، وشركات التأمين، والجامعات، والجمعيات الخيرية. "هذه الكيانات تُمكّن من حرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير، وتُرتكب انتهاكات هيكلية أخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الاحتلال والضم وجرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية، بالإضافة إلى قائمة طويلة من الجرائم الملحقة وانتهاكات حقوق الإنسان، من التمييز والتدمير العشوائي والتهجير القسري والنهب إلى القتل بدون تفويض الفضاء،ثم التجويع".
يتهم التقرير المجمع الصناعي العسكري، الذي يُشكل "العمود الفقري الاقتصادي للدولة"، يُعدّ جوهر اقتصاد الإبادة الجماعية متعدد الأوجه؛ تورد ألبانيز مثالا صارخا: طائرة إف-35 المقاتلة، التي طورتها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، بالتعاون مع مئات الشركات الأخرى "بما في ذلك الشركة الإيطالية المصنعة ليوناردو إس بي إيه، وثماني دول".
منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتخذت عملية الاستيطان والتهجير طابعًا مُلحًا، بدعم من القطاع الخاص. في عام 2024، خُصص 200 مليون دولار أمريكي لبناء المستوطنات. بين نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وأكتوبر/تشرين الأول 2024، أُنشئت 57 مستوطنة وبؤرة استيطانية جديدة "بدعم من شركات إسرائيلية ودولية تُوفر الآلات والمواد الخام والدعم اللوجستي". ومن الأمثلة على ذلك صيانة وتوسيع الخط الأحمر للقطار الخفيف في القدس، وإنشاء الخط الأخضر الجديد، الذي يشمل 27 كيلومترًا من المسارات الجديدة و50 محطة في الضفة الغربية. وقد أثبتت البنية التحتية أهميتها البالغة في ربط المشروع الاستعماري بالقدس الغربية. وعلى الرغم من انسحاب بعض الشركات من المشروع "بسبب الضغوط الدولية"، فإن كياناً مثل شركة البناء والمساعدة في السكك الحديدية الإسبانية/الباسكية كان مشاركاً متحمساً، إلى جانب موردي معدات الحفر (شركة دوسان الكورية الجنوبية ومجموعة فولفو السويدية)، وموردي المواد اللازمة لجسر السكك الحديدية الخفيفة (شركة هايدلبرغ ماتيريالز الألمانية).
إلى جانب البرنامج الهيكلي والمادي للبناء والتهجير، المصمم جميعه لطمس أي مظهر من مظاهر حق تقرير المصير للفلسطينيين، تبرز سمات أخرى للمشروع الاستعماري. ومن أبرز سماته، كما تشير ألبانيز، "المراقبة والاعتقال". بات اضطهاد الفلسطينيين نشاطا "مؤتمتًا بالتدريج"، حيث تُغذي شركات التكنولوجيا نهم إسرائيل الأمني بـ"تطويرات لا مثيل لها في أجهزة الاعتقال والمراقبة"، ومنها شبكات تلفزيون الدائرة المغلقة، والمراقبة البيومترية، وشبكات نقاط التفتيش التكنولوجية المتطورة، ومراقبة الطائرات بدون طيار، والحوسبة السحابية.
شركة بالانتير تكنولوجيز، المتخصصة في منصات البرمجيات، تذكر بشكل خاص؛ "هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن بالانتير قد زودت تقنية شرطية تنبؤية اوتوماتية، وبنية تحتية دفاعية أساسية لتركيب وتشغيل برمجيات عسكرية على جناح السرعة، ومنصتها للذكاء الاصطناعي، التي تتيح في الحال دمج معطيات ساحة معركة لمن شأنه ان يتخذ قرارات مؤتمتة."
مع صدور التقرير، بدأ الزوغان ؛ أبلغت شركة لوكهيد مارتن لصحيفة ميدل إيست آي أن المبيعات العسكرية الأجنبية ليست حكراً عليها، بقدر ما يتعلق الأمر بالمساءلة أو مدعاة للقلق، موقفا ساميا شبيها بالبيزنيس أشبه بالعمل التجاري الغير مقيد بقيود أخلاقية. تتم مثل هذه المبيعات بين الحكومات، مما يعني أن حكومة الولايات المتحدة هي الأقدر على الإجابة على أي أسئلة؛ بعد كل ذلك غسل اليدين والتبرؤ من الدنب هو من اختصاص القطاع الخاص..
بأسلوب أكثر مباشرة، واصلت كلٌّ من إسرائيل والولايات المتحدة حملة "كراهية لألبانيز"، مكررةً بشكلٍ مُملّ اتهاماتٍ قديمةً مع تبني تفسيراتٍ مُبتكرةٍ للقانون الدولي. نظرًا لما تقوم به إسرائيل ومساندوها الأمريكيون من انتهاكات واضحة للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ، فهذا يغني بما فيه الكفاية ، لا سيما في ضوء اجتهاداتٍ قضائيةٍ مثل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في يوليو/تموز 2024، وأوامر اعتقال المحكمة الجنائية الدولية بحق مسؤولين إسرائيليين، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. (تحتل هذه التطورات مكانةً بارزةً في تقرير ألبانيز).
وفقًا لمحكمة العدل الدولية، فإن جميع الدول مُلزمةٌ "بالتعاون مع الأمم المتحدة" لضمان "إنهاء الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأراضي المحتلة، وتفعيل كامل لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير". كان استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني. "إنه عمل خاطئ يحمل طابع الاستمرارية ، ناجم عن انتهاكات إسرائيل، من خلال سياساتها وممارساتها، لحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير".
من إسرائيل جاءت وجهة النظر ان التقرير لا أساس له من شرعية، ومهمته التشهير وهو إساءة صارخة لمنصب [ألبانيز]". وفي رسالة وجهها ترامب بتاريخ 20 يونيو/حزيران إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ، حصلت عليها صحيفة "واشنطن فري بيكون"، حملت على سجل ألبانيز المزعوم في "معاداة السامية الشديدة ودعم الإرهاب"، وحطت بقسوة من مؤهلاتها القانونية. اما السفيرة، دوروثي سي. شيا، القائمة بأعمال مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، فلم تشر إلا القليل الى القانون الدولي في رفضها المتعجرف لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة والفتاوى الاستشارية الصادرة عن محكمة العدل الدولية، كونها تفتقر إلى أي قوة ملزمة "سواء على الدول أو القطاع الخاص."
تزعم شيا أن ألبانيز " أساءت عرض مؤهلاتها للمنصب، إذ ادعت أنها محامية دولية، رغم اعترافها علنًا بعدم اجتيازها امتحان نقابة المحامين أو حصولها على ترخيص للعمل الحقوقي ". اتهامٌ ينطوي على إسفاف، اذا راعينا وفرة المحامين المؤهلين المزعومين العاملين في جيش الدفاع الإسرائيلي وغيره من الأجهزة التي تُنفّذ برنامجه للتهجير والتجويع والقتل.
وُجّهت اتهاماتٌ إلى كياناتٍ تجاريةٍ مُختلفة، ولا سيما أكثر من 20 كيانًا أمريكيًا، "ملغزة بكلام مهيجٍ واتهاماتٍ باطلة"، مُدّعيةً بتلك الاتهامات الجسورة حول "انتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوق الإنسان" و"الأبارتهايد " و"الإبادة الجماعية". تُشكّل هذه الاتهامات، الواردة في رسائل تحمل اتهامات، شكلت "حملةً غير مقبولةٍ من الحرب السياسية والاقتصادية ضد الاقتصاد الأمريكي والعالمي".
لا يبعث على الدهشة أن يكون المبرر الأمني - الذي لا يذكر شيئًا عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ناهيك عن حقهم في الحياة والضروريات - هو جوهر الشكوى ضد افتقار ألبانيز الواضح للحياد. "إن الأنشطة التجارية التي تستهدفها السيدة ألبانيز تحديدًا تُسهم في تعزيز الأمن القومي، والازدهار الاقتصادي، ورفاهية الإنسان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا، وتُساعد على ذلك". فقط، أنسوا الفلسطينيين.