لنتصدى لاستعباد العمال والعاملات الوافدين
ليث الجادر
2025 / 7 / 17 - 16:19
أولاً: المقدمة
يتجاوز عدد العمال الوافدين في العراق اليوم نصف مليون عامل وعاملة، في ارتفاع غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة، وخصوصًا في ظل فتح سوق الاستقدام من دون ضوابط مركزية واضحة، وغياب التنظيم النقابي أو الغطاء القانوني الشامل الذي يكفل حقوقهم. هؤلاء الشغيلة – القادمين غالبًا من بنغلادش، باكستان، نيجيريا، الهند، نيبال، إثيوبيا ومصر – يعملون في بيئات غير رسمية تفتقر لأبسط شروط العدالة، من دون تمثيل نقابي أو سند قانوني يضمن لهم الكرامة والحقوق.
إن صعود هذه الفئة بوصفها قوة عمل دائمة – وليست مؤقتة – يستوجب التفكير بإطار تنظيمي يحميها من الاستغلال ويعيد الاعتبار لمفهوم العمل كقيمة إنسانية لا تُختزل بالجنسية أو الإقامة. لذا، تأتي هذه الورقة كدعوة لتأسيس نقابة مستقلة أو لجنة تنظيمية للشغيلة الوافدة، تستند إلى معطيات واقعية وحاجة قانونية ملحة، في سبيل بناء عدالة اقتصادية وإنسانية.
ثانيًا: الواقع الإحصائي – سوسيولوجيا الحضور الوافد
الحجم والتركيب
يُقدَّر عدد العمال الوافدين في العراق حاليًا بما يقارب 500,000 عامل وعاملة.
تشكّل الغالبية العظمى من:
- بنغلادش، باكستان، نيجيريا
- يليهم: الهند، نيبال، إثيوبيا، مصر والفلبين
القطاعات التشغيلية
- البناء والمقاولات (35%)
- الخدمة المنزلية والتنظيف (25%)
- الأمن والحراسة الخاصة (20%)
- المطاعم والفنادق (10%)
- الزراعة والخدمات الريفية (10%)
ملامح الاستغلال
- حوالي 80% من العمال يعملون بدون عقود عمل مكتوبة أو مترجمة.
- أكثر من 60% يتعرضون لاقتطاع أو تأخير في الرواتب.
- ظاهرة حجز الجوازات شائعة، خاصة في الخدمة المنزلية والإنشاءات.
- لا يتمتع أي من هؤلاء العمال بنقابات تمثلهم أو بتأمين صحي أو ضمان اجتماعي.
ثالثًا: الثغرات القانونية – حق غائب عن النص
رغم أن العراق عضو في عدد من الاتفاقيات الدولية، إلا أن الإطار القانوني المحلي لا يزال عاجزًا عن معالجة وضع العمالة الوافدة، سواء من حيث الحماية أو التمثيل.
قانون العمل رقم 37 لسنة 2015
- لا يتضمن بنودًا صريحة حول العمال الأجانب أو آلية حمايتهم من الانتهاكات.
- لا يعترف بحقهم في التنظيم النقابي، بل يُقصر ذلك على "المواطنين" و"العاملين في القطاعات الوطنية".
- لا يوجد نص يُجرّم صراحة حجز الوثائق الرسمية (الجواز، الإقامة).
دستور العراق (2005)
- تنص المادة (22) على "حق العمل" و"حرية التنظيم"، لكنها لا تشرح مدى انطباقها على غير المواطنين.
الالتزامات الدولية
- العراق صادق على اتفاقية العمل الدولية رقم 87 بشأن حرية التنظيم النقابي، والتي لا تميز بين العمال المحليين والأجانب.
رابعًا: نحو تنظيم بديل – مقترح نقابي واقعي
في ظل هذا الواقع، يمكن اقتراح تشكيل:
"اللجنة النقابية للعمالة الوافدة في العراق"
- تعمل كجسم تنسيقي تمثيلي، يُنظم داخليًا على أساس قطاعات العمل (البناء، الخدمات، الأمن...).
- تكون تحت مظلة اتحاد نقابات العمال العراقي أو تنشأ بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
- تسعى لتقديم:
* الاستشارات القانونية المجانية
* توثيق الانتهاكات
* التفاوض الجماعي
* حملات الضغط والتوعية
خامسًا: دروس إقليمية مقارنة
- في لبنان، أنشأ العمال المنزليون نقابة رمزية رغم عدم الاعتراف القانوني الرسمي بها.
- في الأردن، أُطلقت شبكات دعم وحملات توعوية، واندمجت بعض العاملات في لجان نقابية قطاعية.
- في الخليج، رغم المنع القانوني، بدأت تُبنى شبكات تضامن عابرة للجنسيات بإشراف اتحادات إقليمية.
سادسًا: التوصيات والسياسات المطلوبة
1. تعديل قانون العمل العراقي لإدراج العمال الأجانب ضمن الحقوق النقابية والتمثيلية.
2. حظر صريح لأي ممارسة تمس الحقوق الشخصية للعامل (حجز الوثائق، منع التنقل، العمل القسري).
3. إقرار عقود عمل إلزامية مصدّقة ومترجمة، خاضعة لتفتيش دوري.
4. شراكة رسمية مع سفارات البلدان المصدّرة للعمالة لتأطير الشكاوى والنزاعات.
5. تأسيس لجنة وطنية عليا لمراقبة أوضاع العمال الوافدين ضمن وزارة العمل أو بالتنسيق معها
إن تأسيس نقابة للشغيلة الوافدة في العراق ليس قضية "عمالية" فحسب، بل هو مسألة كرامة وطنية وعدالة اجتماعية. كيف يمكن لدولة تُدين الاستعمار والتمييز أن تصمت أمام عبودية جديدة تجري على أرضها بصمت؟ لقد آن الأوان لنكسر حاجز التواطؤ القانوني والتجاهل المؤسساتي، وننقل الشغيلة الوافدة من خانة "المستورَدين" إلى موقع "المنتِجين ذوي الكرامة والحق