تسليك الدروب نحو دولة إسرائيل الكبرى-4


سعيد مضيه
2025 / 7 / 12 - 10:43     

نتنياهو يأخذ إسرائيل الى التطهير العرقي


يجرم القانون الدولي التطهير العرقي، حتى ما يتعلق بالتهجيرالقسري لسكان مقيمين بأماكن لفترة زمنية؛ وأثناء التنقيبات الأثرية في الماضي البعيد يحفظ القانون الدولي حقوق تراثهم، لا يطمس ، ولا يتعرض للتدمير. عل سبيل المثال لا يسمح القانون الدولي تهجير اليهود ممن استوطنوا فلسطين بدعم الانتداب البريطاني وقوانينه خلال القرن الماضي، ويتم الحفاظ على تراثهم المتراكم خلال هذه الحقبة القصيرة. وذلك مشروط بالتخلي عن خرافة التفوق العرق والتمييز العنصري.
يقول الصحفي الإسرائيلي، أهارون ديفيد ميللر ، توجهتُ بأسئلة حول تاريخ الصراع بين نتنياهو والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية وكان الجميع تقريبا، سواء المقربون من نتنياهو او المعارضون له كليا، يرون أن مناوشات نتنياهو مع كبار جنرالاته قد تركت تأثيرا عميقا على إسرائيل، وأن نتنياهو نجح في إضعاف خصومه. يضيف ميللر،أبلغني أحد أشد منتقدي نتنياهو، ميجر جنرال أمنون ريشيف، " شاركت في عدة معارك كجندي وضابط؛ واليوم زملائي وانا نخوض أهم المعارك – المعركة من اجل مستقبل إسرائيل".
يمكن العثور على جذور سياسة نتنياهو في حقده الذي لا شفاء منه على الشعب الفلسطيني؛ يتجلى هذا الحقد في حرب الإبادة الشاملة، وفي إنكار علاقته بفلسطين ، ومن ثم إنكار حقوق الشعب الفلسطيني بالمرة.
يقول ميراف ميتشيل، عضو الكنيست عن حزب العمل ، " في كل مرة تحدثت مع نتنياهو، شعرت أنه مرعوب من التغيير؛ ليس ذلك بسبب وجهة نظر بديله ، إنما لأنه في الأساس يرى الدولة الفلسطينية كابوسا مفزعا".
يتناول من أخبار التوراة غير الموثقة حكاية "العماليق" تمت إبادتهم حتى بهائمهم على يد يشوع. من قبله استحضر بن غوريون مرارا حكاية حرق أريحا وإبادة سكانها / وهو امر ثبت عدم حدوثه في التاريخ المحدد -القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وفي المأثورات التوراتية المجازر مقدمة لازدهار حضارة على أنقاض الإبادة الجماعية.
تعود معارضة نتنياهو الحازمة للمؤسسات الأمنية الى نظرته التشاؤمية تجاه العالم. وألمح لهذه الحقيقة الميجر جنرال بيني غانتس، الذي قاد المؤسسة العسكرية خلال الفترة 2011-2015 وذلك في كلمة ألقاها في اجتماع عام، إذ قال:" ربما كان علينا مواصلة العيش بحد السيف، لكننا ملزمون اختبار بدائل أخرى، حتى نستطيع القول لأبنائنا لقد جربنا".
وكذلك الميجر جنرال المتقاعد موشيه يعلون، الذي التحق باليمين الإسرائيلي، بات يشجع العاملين تحت إمرته على التعبير بصراحة عما يجول بأذهانهم، حتى لو تناقضت وجهات نظرهم مع الحكومة المنتخبة. وخلال الأشهر التي سبقت إعفاءه من منصب وزير الدفاع دعم يعلون مواقف القيادة العليا للجيش في عدد من القضايا التي تعارضت مع آراء أعضاء مجلس الوزراء، وبصفة رئيسة مدى القوة التي ترد بها إسرائيل على الهجمات الفلسطينية.


لا اتفاق مع الفلسطينيين ...خطورة نتنياهو على إسرائيل

التف ضباط المخابرات المتقاعدون، وبينهم رؤساء الأجهزة، حول امنون ليبكين شاحاك ، وكان رئيس الأركان زمن حكومة رابين. في الذكرى الأولى لاغتيال رابين اتُفِق على ان يكون شاحاك هو المتحدث الرئيس. قال امام حشد من الضباط " انه سوف يخاطب رابين مباشرة"، قائلا : "رابين إنه عام صعب للغاية منذ ان غادرتنا. بلغَت الانتهازية والاستقطاب والطائفية قلب الإجماع القومي؛ بينما تحول الجيش إلى مضربة للتدريب على المصارعة ". لم يذكر نتنياهو بالاسم، لكن الجميع أدركوا أنه المقصود. صدرت صحف اليوم التالي وعلى صدر صفحاتها الأولى خطاب شاحاك. وفي وقت لاحق لدى تذمر يمينيين من بطئ نتنياهو في تصفية آثار اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين؛ رد نتنياهو بانفعال " تريدون إيصال ليبكين شاحاك إلى منصب رئيس الحكومة"؟
سقطت حكومة نتنياهو عام 1998، ودخلت إسرائيل الانتخابات. أعلن شاحاك أنه سوف يترشح للمنصب؛ لكن حزب العمل اختار إيهود باراك. وزاد من حراجة موقف نتنياهو ان وزير دفاعه، ميجر جنرال يتسحق موردخاي، أعلن ترك حزب الليكود متهما نتنياهو بالانتهازية واللامسئولية والغطرسة. مهد الجنرالان شاحاك وموردخاي الطريق لباراك كي ينجح كرئيس للحكومة. أعلن باراك في الميدان الذي اغتيل فيه رابين، وقد نجح في الانتخابات،" أنه فجر يوم جديد" بالنسبة لإسرائيل. وعد بأن يشرع في الحال مباحثات السلام مع الفلسطينيين. لكنه جبن من معارضة المتطرفين وأحجم عن التقد خطوة واحدة في هذا الاتجاه . وخلال لقاء كامب ديفيد مع عرفات بحضور الرئيس الأميركي ، كلينتون، لم يقدم أي تنازل وراح يشيع ، هو وحاشيته من الكتاب "اليساريين"، كما أطلقوا على أنفسهم، انه قدم تنازلات رفضها عرفات "لأنه لايريد السلام".قدم استقالة حكومته ودعا الى انتخابات مبكرة (شباط 2001) حيث فاز شارون برئاسة الحكومة وحرض على الاستيلاء على التلال بالضفة الغربية.
استدرج شارون، عبر استغلال نزعة الانتقام لدى الفلسطينيين، الفصائل الفلسطينية المسلحة الى عمليات انتحارية بين جمهور المدنيين في إسرائيل.استمرت عمليات اصطياد عناصر من الفصائل والردود الانتقاميةحتى تفجيرات أيلول 2001. تعمدت الميديا الأوروبية والأميركية بتواطؤ مع شارون تجاهل اغتيالات المقاومين الفلسطينيين ،كي تهب وتنشر تفجيرات الفلسطينيين. بالنتيجة لم يصل من الأراض الفلسطينية مسامع قوى الغرب الامبريالي غير التفجيرات بين المدنيين الإسرائيليين، وبالنتيجة حصل تعاطف واسع مع الإسرائيليين .ر وإثر تفجيرات أيلول بنيويورك وبروز دعاية الحرب على الإرهاب ،تم إدراج المقاومة الفلسطينية في خانة الإرهاب.علما ان الدعاية الإسرائيلية شهرت ب"إرهاب"المقاومة الفلسطينية قبل ذلك بزمن .
خلال عشر سنوات عمل نتنياهو طبقا لأهم درس استخلصه من هزيمته عام 1999، إقرار آلية تبقي الجنرالات بعيدين عن السياسة، ونجحت جهوده العام 2007. فقد أقرت الكنيست قانونا يفرض على العسكري المتقاعد الانتظار ثلاث سنوات قبل أن يترشح لوظيفة عمومية ؛ نجح نتنياهو في العودة إلى المنصب إثر انتخابات 2009.
كذلك كان ديسكين مناصرا لدولة فلسطينية. وعندما أعلن نتنياهو عام 2009 استعداده لقبول دولة للشعب الفلسطيني اعتقد ديسكين ان تحولا دراميا سيحدث؛ إلا أنه سرعان ما تأكد، شأن الأميركيين، ان نتنياهو لا يفاوض بإخلاص. يقول أحد الأمنيين المقربين من ديسكين، " يجب ان لا ترى مشكلة في العمل مع رئيس وزراء، غير أنني أعتقد ان يوفال (ديسكين) وغيره من رؤساء اجهزة الأمن وجدوا من المستحيل العمل مع بيبي، لأنهم لم يكونوا فكرة عن حقيقة سياسته. يوما مع دولة فلسطينية ويوما آخر ضدها. يقول شيئا للأميركيين بالانجليزية، ثم يناقض نفسه بالعبرية في اجتماع حزب الليكود".
في تصريح أدلى به ياكوف بيري، الرئيس السابق للشين بيت والذي دخل في حكومة نتنياهو، أن " البعض يودون القول أن المؤسسة الأمنية هي التي تقود المعارضة في هذا البلد. أعتقد ان في القول مبالغة؛ لكن مما لا شك فيه ان المحللين المحترفين في المؤسسة الأمنية ظلوا على تناقض متواصل مع سياسات نتنياهو وتصريحاته بصدد قضيتين اثنتين: إيران وفلسطين".
هذا ما توصل اليه الراحل أوري أفنيري، إذ فسر مواقف الضباط الأمنيين من نهج نتنياهو وقال ان الأمنيين على اتصال مباشر بنبض الجماهير الفلسطينية وتوصلوا الى إدراك عقم محاولات إخضاعه. ولا يظنن احد ان أيا من الضباط المعارضين لنتنياهو يعطف على الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني، او يتصور انسحابا تاما من الأراضي المحتلة وتفكيك المستوطنات، من أجل إقامة دولة للفلسطينيين قابلة للحياة بجانب إسرائيل. كل ما في الأمر ي أرادوا إقصاء الفلسطينيين عن حياة إسرائيل. وحتى الوقت الراهن لم يقدم الطرف المؤيد لحل الدولتين على تحديد حيز الدولة الفلسطينية ومدى قدرتها على البقاء والتطور. قد يختلف هذا الاستنتاج مع ما نقله عن رابين الرئيس الأميركي، بيل كلينتون.

إجماع صهيوني
يتفق مع تفسير أفنيري رد رابين على سؤال الرئيس الأميركي كلينتون في إفطار عمل في اليوم التالي لتوقيع اتفاق أوسلو بحديقة البيت الأبيض، 13 أيلول /سبتمبر 1993. قال رابين كما نقل عنه كلينتون في مذكراته [حياتي:545] –" سألته لماذا قرر دعم محادثات اوسلو والاتفاقية التي انتجتها. أوضح لي انه توصل الى التحقق من ان المناطق التي احتلتها إسرائيل منذ حرب 1967 لم تعد ضرورية لأمنها، وفي الحقيقة باتت مصدر عدم الأمان. قال ان الانتفاضة التي اندلعت قبل بضع سنين قد بينت ان احتلال الأراضي المليئة بالناس الغضاب لم تجعل إسرائيل أفضل امنا، إنما جعلتها أقل منعة. ثم جاءت حرب الخليج، حين أطلق العراق صواريخ سكود على إسرائيل، تأكد اديه ان الأرض لا تقدم منطقة عازلة امنيا ضد الهجمات بالأسلحة الحديثة من الخارج. أخيرا قال إذا قدر لإسرائيل الاحتفاظ بشكل دائم بالضفة فعليها ان تقرر إن كانت ستسمح للعرب ان يصوتوا في الانتخابات الإسرائيلية أسوة باولئك الذين عاشوا في إسرائيل ضمن حدود ما قبل 1967. فاذا منحوا حق التصويت، في ضوء نسب الإنجاب العالية عند العرب ، فلن تظل إسرائيل دولة يهودية؛ أما اذا رفضت حقهم في الاشتراك بالانتخابات لن تظل إسرائيل دولة ديمقراطية، بل دولة ابارتهايد. لذلك خلص الى الاستنتاج بان إسرائيل يجب ان تتخلى عن المناطق.
أضاف كلينتون نقلا عن رابين ن: "لكن بشرط التوصل الى سلام حقيقي وعلاقات طبيعية مع جيرانها، بمن فيهم سوريا". يضيف كلينتون: " فكر رابين ان بمقدوره التوصل الى صفقة مع الرئيس السوري، حافظ الأسد، قبل او مباشرة بعد إنجاز العملية الفلسطينية".

تطهير عرقي
يشارك ضباط الأمن وجنرالاته رابين قلقه من عواقب الإمعان في مصادرة الأراضي الفلسطينية والتوسيع المضطرد للاستيطان؛ فالبديلأن المترتبان على مواصلة الاستيطان يلحقان الضر بإسرائيل. غير ان نتنياهو أضمرخيارا ثالثا ترك لأنضاره الإطناب في الحديث عنه: خيار طبعة ثانية من التطهير العرقي.
ما نقله كلينتون عن رابين لا يتفق مع تصريحات رابين ان أقصى ما يتنازل به للفلسطينيين أقل من دولة ذات سيادة . وهذا اقصى ما تجيزه الحركة الصهيونية.
عبر سنوات العقد الثاني من القرن الحالي كان كبار الجنرالات وقادة اجهزة التجسس والاستخبارات من أشرس النقاد لسياسات نتنياهو. من بين سبعة عشر رئيس جهاز الاستخبارات ممن عملوا مباشرة مع نتنياهو وهو في منصب رئيس الوزراء، انتقد ما لا يقل عن ثلاثة عشر منهم سياسات نتنياهو او الاتجاه الذي يقود عبره البلاد. ( من بين الأربعة الذين لم ينتقدوه اثنان ما زالا على رأس عملهما). البعض من المنتقدين اعتبروا أنفسهم أصدقاء مقربين للرجل، وجاء انشقاقهم صادما بوجه خاص. من بين هؤلاء تمير باردو، رئيس الموساد سابقا، الذي شارك في عملية عينتيبي لإنقاذ الرهائن عام 1976، والتي قتل فيها شقيق نتنياهو الأكبر يوني نتنياهو. كان مصرعه قوة دافعة لتقدم نتنياهو في مراتب السلطة. شارك باردو في المراسم السنوية لذكرى يوني، التي نظمتها الأسرة. ولهذا اختاره نتنياهو ليخلف مئير داغان رئيسا للموساد عام 2010.عارض باردو مع بقية الجنرالات مشروع نتنياهو لتوجيه ضربة لإيران. وفي واحدة من مشاركاته النادرة في اللقاءات العامة عام 2011، عندما كان البرنامج النووي الإيراني يعمل بأقصى طاقته، برز باردو ليعلن أن " إيران لا تشكل الخطر الوجودي لإسرائيل". يتداولون بحرية في إسرائيل مفهوم " الخطر الوجودي".
تقاعد باردو اوائل 2016؛ وفي تلخيص امام الكنيست بصفته رئيس الموساد، تحدث عن أهمية تعزيز السلطة الفلسطينية وعن محاولة التوصل لحل النزاع مع الفلسطينيين. " لم يستطع أن يوضح أكثر"، حسب تعبير أحد أعضاء الكنيست ممن حضروا الاجتماع السري.
الجميع تقريبا بين الضباط والجنرالات، سواء المقربون من نتنياهو او المعارضون له كليا، يرون أن مناوشات نتنياهو مع كبار جنرالاته قد تركت تأثيرا عميقا على إسرائيل، وأن نتنياهو نجح في إضعاف خصومه. المعروف عن أيالون طبعه الهادئ وتهذيبه ؛ لكنه انفجر غاضبا بوجه رئيس الوزراء متهما إياه بمنع رؤساء الأجهزة الأمنية تقديم تقييماتهم قبل اتخاذ الحكومة قراراتها.
من الغرابة ان إيهود باراك الذي أفشل مؤتمر كامب ديفيد واهدرت حكومته فرصة إنجاز تسوية، يعود للقول "أكثر من تسعين بالمائة من الأحياء المتقاعدين من الأجهزة الأمنية لو سئلوا سيجيبون أن إسرائيل تجد حماية أفضل بجانب دولة فلسطينية من الحفاظ على " إسرائيل العظمى" بملايين الفلسطينيين يعيشون تحت سيطرتها.
سوف يطفو على السطح الخلاف مع الإدارة الأميركية بصدد الاتفاق النووي مع إيران وكذلك على الجبهة الفلسطينية، وهو صراع يدور بين أجهزة السلطة داخل الولايات المتحدة بالذات، الاحتمال ان تتصاعد الخلافات وليس التقدم نحو السلام. وفي شهر نوفمبر/ تشرين ثاني2011 صرح نتنياهو أن إسرائيل سوف" تعيش للأبد بحد السيف". رد بني غانتس :" ربما كان علينا مواصلة العيش بحد السيف، لكننا ملزمون اختبار بدائل أخرى، حتى نستطيع القول لأبنائنا لقد جربنا".
يصر نتنياهو على تنكب الدرب الخطر مدعوما من اليمين المتطرف بالولايات المتحدة. فحين يرحب ترامب بما حققه اليمين المتطرف بألمانيا من تقدم فأولى به الترحيب بسيطرة نتنياهو على الحياة السياسية الإسرائيلية ويوفر له وسائل النجاح. يقف ترامب خلف سياسات نتنياهو ويطلق تهديداته ضد الشعب الفلسطيني وضد كل منظمة دولية تقبل فلسطين عضوا كاملا. وكتبت هآرتس (22يناير 2017) تعليقا على قانون دولة إسرائيل، الذي يحصر جق تقرير المصير لليهود فقط ويخرج اللغة العربية كلغة رسمية في البلاد، "حيث يقف ترامب خلف نتنياهو فإن الأخير يقود إسرائيل إلى دولة أحادية القومية إما ان تكون ديمقراطية او يهودية... لا يوقف نتنياهو التوسع الاستيطاني ولا يخامره الشك في حتمية فوزه بما اغتصبه وما شيده من عشرات آلاف الوحدات السكنية...."

اشتهر داغان باغتيالاته أعداء إسرائيل؛ في شوارع طهران صرع العلماء بشكل غامض، واغتيل كبار المسئولين في حزب الله وحماس، وقتل جنرال سوري وهو يشاهد حفلا داخل بيته. تلك الاغتيالات نسجت هالة أسطورية حول الرجل. لكن داغان خلف الأبواب الموصدة بدا داعية قويا لخيار الديبلوماسية مع العالم العربي. ينشدون الشعبية عبر قتل العرب، خاصة أولئك المتحفزين من الضباط ولوج الحياة السياسية من أوسع أبوابها.
في صيف العام 2010، بعد انفضاض اجتماع لمجلس الوزراء طلب نتنياهو من داغان وأشكينازي الانتظار بضع دقائق. صدما إذ سمعا رغبة نتنياهو في تعجيل الاستعدادات لتوجيه الضربة العسكرية لإيران خلال أسبوع.
رد داغان :" هذا غير مشروع؛ فهذا يعني اننا نحن البادئون بحرب ضد إيران". حذر اشكينازي من ان إيران قد تلاحظ حركة غير عادية في إسرائيل وتوجه ضربة استباقية. لكن داغان رفض الفكرة وقال: "هذا عمل غير مشروع طبقا لقانون إسرائيل. رئيس الوزراء غير مخول بشن الحرب على بلد آخر ؛ إنما مجلس الوزراء هو المخول. خذ القرار من مجلس الوزراء"..
حتى العام 2011 كان داغان على قناعة من أن إيران بعيدة لم تزل عن صنع القنبلة الذرية. اتفق مع نتنياهو على وجوب منعها من ذلك. وأيد تقييماته معظم العاملين في الأجهزة الأمنية.
صمم نتنياهو عام 2011 على استبدال القادة الثلاثة المتقاعدين بأناس يسهل عليه التعامل معهم: إستقلالية أقل، كاريزما أقل، وإذا أمكن أقرب إلى وجهات نظره. كان ديسكين قد اوصى بتعيين نائبه خلفا له ؛ واختار نتنياهو يورام كوهين ، المتدين الذي يضع (الكابا) قبعة على رأسه. كان اول رئيس للمؤسسة يفد من الحزب الديني القومي، اليميني المساند لنتنياهو. ناقض كوهين نتنياهو في عدد من المسائل: الرئيس الفلسطيني محمود عباس ليس محرضا على الإرهاب. لرئاسة الموساد عين نتنياهو تامير باردو، الذي كان النقيض شكلا لداغان. من أسرة صديقة لأسرة نتنياهو. وخلال السنتين 2011 ،2012 أعلن بوضوح لدى أكثر المنابر سرية للاستخبارات، ان توجيه ضربة لإيران خطأ . " ورث عن داغان موقفه من حيث المبدأ"، حسب تعبير مسئول أمنى شارك في عدد من اللقاءات الأمنية. وكذلك جاء موقف رئيس الأركان الجديد، بيني غانتس. خاطب نتنياهو قائلا، لو طلب منه الهجوم سينفذ ، ولكن ليس قبل أن يبلغ مجلس الوزراء ان ذلك غلطة خطيرة.
لم تشارك النخبة الأمنية الإدارة الأميركية تفاؤلها ولم تدعم تشاؤم نتنياهو. مدير الاستخبارات العسكرية ، ميجر جنرال أفيف كوتشافي، بعث لرئيس الوزراء تقييما خاصا ( وافق عليه رئيس الأركان) قال فيه أن بزوغ نجم روحاني يشير إلى " تحول استراتيجي كبير" في السياسة الإيرانية. أيد الموساد التقييم الجديد المتعلق بإنتاج إيران قنبلة نووية.
ربما ان هذه التقييمات ادت بباردو في صيف 2014 إلى القول " إن أعظم خطر على الأمن القومي الإسرائيلي لا يأتي من إيران، إنما من النزاع مع الشعب الفلسطيني". ادلى باردو بالتصريح امام مؤتمر لكبار رجال الأعمال في إسرائيل وجرى تسريبه إلى جريدة هآرتس. فالقضية الفلسطينية جرى الإسراف في مقاربتها نظرا "للتهجيس الطفولي " للميديا، كما عبر عن ذلك أحد المقربين من نتنياهو.
أثناء خدمة باردو رئيسا للموساد تم إجراء استفتاء حول نهج نتنياهو شارك فيه الضباط المتقاعدون؛ لدى تقاعده عمد باردو الى تأييد موقف الأغلبية الساحقة المعارضة لنتنياهو.
في يناير 2015 التقى باردو بنفر من مجلس الشيوخ الأميركي زار إسرائيل وأذهلهم بتحذيره من مخاطر المصادقة على عقوبات جديدة ضد إيران. كان ديرمر ، سفير إسرائيل في واشنطون يدعم القرار. والأسوأ أن تصريح باردو جرى تسريبه بعد أقل من 24 ساعة من إعلان نتنياهو أنه دعي من قبل رئيس مجلس النواب ( وهو جمهوري) للتحدث أمام الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران. أجمع قادة الأجهزة الأمنية على أن نتنياهو أخطأ في إلقاء خطابه امام الكونغرس. اما المتقاعدون فانتقدوا علنا خطاب نتنياهو. وتوجه نفر من الرؤساء الأمنيين إلى واشنطون كي يقدموا للكونغرس تقييما إيجابيا للاتفاق.
خطب داغان في اجتماع حاشد في تل ابيب هاجم نتنياهو صراحة وبقسوة . قال يحيط بإسرائيل 23 دولة عربية لا أحشى منها ادنى خطر على إسرائيل. إنما الخطر على إسرائيل من نتنياهو بالذات وبرنامجه الاستيطاني. تساءل عن قصد نتنياهو – دولة ابارتهايد او دولة مختلطة تفقد طابعها اليهودي؟ غاب عن خاطره وخاطر رابين من قبله ان لدى نتنياهو خيار تهجير الفلسطينيين من وطنهم! اجل هذا ما يحلم به نتنياهو منذ ان اختار طريق النشاط السياسي، حسب إرشاد والده.
توفي مئير داغان بالسرطان. حضر نتنياهو جنازته في منطقة تشرف على بحيرة طبريا. قبل موته قال في تصريح علني أن" نتنياهو خطر على إسرائيل"، رجل "جبان يخسر أوراقه في اللحظات الحرجة"، و" أسوأ إداري عملت معه". والآن يود نتنياهو إلقاء كلمة رثاء للفقيد، عرض بالفقيد في كلمته: " اتذكر كنت جالسا معه لمناقشة خيارات سرية، وانفجرت بالضحك نظرا لجرأة أفكاره ووقاحتها".
قال يوفال ديسكين، رئيس الشين بيت والمتمرس في الاغتيالات، أن موت داغان قد " تركني أشعر كاليتيم" ووافقه عديدون ممن ضمهم المكان. ما جمع كبار الضباط – الى جانب صداقتهم لداغان – تاريخ صدامه مع نتنياهو.
انزياح الدبلوماسية الامبريالية باتجاه التطرف اليميني لعنصرية تفوق البيض عامل مساعد لنتنياهو؛ اما أقوى ورقة بيد نتنياهو فهي الإجماع المسيحي – اليهودي على صحة حكايات التوراة وتأكيدها ان تاريخ المنطقة هو تاريخ إسرائيل بامتياز. الباحقون الأركيولوجيون وأساتذة الجامعات وفي المدارس على جميع مراحلها يلقن الطلبة والجمهور في دور العبادة والمناسبات بأن الفلسطينيين لاتاريخ لهم وليست إسرائيل دولة احتلال . نهج يتطابق مع انزياح المجتمع اليهودي نحو المزيد من العنصرية والكراهية العرقية. قضية تحرير التاريخ الفلسطيني من قبضة التأرخة الإسرائيلية – المسيحية الغربية مهمةمعقدة وتتطلب جهودا ثقاقة .
نتنياهو يؤمن بإمكانية التوصل الى اتفاقات مع الدول العربية مع التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني . والامبريالية الأميركية وأتباعها في الغربب الامبريالي يؤيدون توجه نتنياهو، تحت إيقاع ترويج الخوف من القنبلة النووية الإيرانية ومن فكرة الدولة الفلسطينية.
يتبع لطفا