2. النقابة في مرآة الهيمنة الدولية - من الشرعية الأممية إلى تدجين الوعي الطبقي
عماد حسب الرسول الطيب
2025 / 7 / 11 - 06:55
لا يُمكن فهم النقابة في السودان، أو في أي مجتمع تابع، دون النظر إلى موقعها داخل شبكة السيطرة الدولية التي تمارسها الرأسمالية العالمية باسم "الشرعية العمالية". فما يُروَّج له من "معايير العمل الدولية" و"آليات الحوار الثلاثي" ليس محايدًا، بل جزء من هندسة أيديولوجية تُعيد إنتاج علاقات الهيمنة في صيغة قانونية، وتُقدّم الترويض الطبقي كإجماع مؤسسي. في هذا الإطار، تتحوّل منظمة العمل الدولية من كيان يُدافع عن حقوق العمال، إلى جهاز بيروقراطي دولي يُدير استغلالهم ضمن الحدود المقبولة للرأسمالية، عبر ما يُسمى "التمثيل الثلاثي": الحكومات، أرباب العمل، والنقابات. هذا التوازن المزعوم يُنكر الحقيقة الماركسية الجوهرية: أن الصراع بين العمال والرأسماليين ليس قابلاً للتسوية في غرفة، بل يُحسم في الميدان، وأن الدولة – خاصة في الدول التابعة – ليست وسيطًا محايدًا، بل طرف طبقي يمثّل مصالح رأس المال العالمي والمحلي معًا.
في السياق السوداني، يتم فرض هذا النموذج الثلاثي عبر برامج "إصلاح النقابات" المدعومة أمميًا، التي تُشترط فيها مطابقة الهياكل النقابية لمقاييس تمثيل لا تُراعي الواقع الطبقي، بل تنزع إلى تطبيع بيروقراطيات قديمة، وتصفية التنظيمات القاعدية المستقلة. وما يُسمى "الاتفاق الثلاثي" بين الحكومة، وأصحاب العمل، والنقابات الرسمية، هو في جوهره آلية لامتصاص الغضب العمالي لا لتغييره، تقوم على تقاسم النفوذ لا تقويض الاستغلال. تُفرغ النقابة من محتواها الثوري، وتُحصر في دور الشريك الاجتماعي ضمن حدود اللعبة النيوليبرالية، بينما تُقصى التنظيمات الراديكالية أو تُدرج تحت بند "الإرهاب النقابي" أو "عدم النضج المؤسسي".
أما أيديولوجيا "جدارات الوظيفة"، فتُشكّل التعبير المعولم الأكثر خداعًا في هذا المنظور. تحت شعار "تأهيل الكوادر"، يُعاد إنتاج اللامساواة الطبقية داخل سوق العمل: يُلام الفقير على فقره، والعامل على بطالته، بحجة أنه لم "يُطوّر قدراته"، بينما تُنكر البنية التي لا تُنتج سوى التهميش. يتم بذلك تحويل الصراع الطبقي إلى مسابقة فردية في الكفاءة الشكلية، تُقاس بمعايير السوق لا حاجات البشر. ويُعاد تقسيم الطبقة العاملة على أسس زائفة من التميز، ما يُضعف وحدتها ويُطفئ شرارة التمرد.
كل هذا يُظهر أن النقابة في النظام العالمي ليست معزولة عن أدوات السيطرة، بل مُحاطة بشبكة من المؤسسات الدولية، والقوانين المحلية، والبيروقراطيات النقابية، التي تُقنن الإخضاع وتُطبع القهر. ولذلك، فإن مهمة التحرر العمالي تبدأ من فك الارتباط مع هذه المنظومة، لا الاحتماء بها. لا خلاص للنقابة في السودان إلا حين تعود إلى موقعها الطبيعي: خارج قاعات التفاوض الزائف، وداخل صفوف الطبقة العاملة التي تُنظم وعيها، وتربط نضالها المحلي بالمعركة الأممية ضد النظام الرأسمالي برمته.
"إن حرية العامل لا تُستخرج من تقارير المنظمات الدولية، بل من حديد التنظيم الطبقي الثوري."
النضال مستمر،،