الاطار السياسي لمهام المشروع الاشتراكي
ليث الجادر
2025 / 7 / 10 - 00:57
إن جزءًا جوهريًا من المشروع الاشتراكي في هذه المرحلة التاريخية هو أن يتصدى بوضوحٍ لا لبس فيه للاندفاع الأعمى والمتطرف نحو الأتمتة الإنتاجية، ذلك الاندفاع الذي تجاوز كونه مجرد خيارٍ تقني أو مرحلة من مراحل تطور أدوات الإنتاج ليغدو بمثابة حربٍ عدوانية صامتة تشنها الرأسمالية ضد الإنسان ذاته. إن الرأسمالية في سعيها المحموم لتعظيم الأرباح بأقل كلفة ممكنة، حولت الأتمتة إلى أداةٍ لنزع المعنى من العمل ولإفراغ القيمة الإنسانية من جوهرها المنتج والمبدع، فجعلت ملايين العمال والموظفين والمنتجين البسطاء فائضين عن الحاجة، وكأن الإنسان بات عالة على آلته التي صنعها بيديه. وهكذا تتجلى الأتمتة المنفلتة كجريمة مزدوجة: تجويعٌ معلنٌ لمن أُقصي من العمل، وقتلٌ مستترٌ لقيمة الوجود الإنساني الذي لم يعد له موطئ قدم في معادلة السوق. لذلك، فإن الاشتراكية معنيةٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تُقنّن الأتمتة إلى حدٍّ عادلٍ يوازن بين التطور التقني وحق القوى البشرية في أن تظل جزءًا أصيلًا من عملية الإنتاج، فلا يتحول التقدم إلى سلاحٍ يفتك بالبشر باسم التحديث والابتكار.
وبالموازاة مع ذلك، لا يمكن لأي مشروع اشتراكي يدّعي الالتصاق بالإنسانية أن يغض الطرف عن تلك النزعة الفلكية الاستكشافية التي صارت تلتهم ثرواتٍ هائلة من المال العام والطاقات العلمية، بلا أدنى اعتبار لحاجات البشر الواقعية على سطح كوكبٍ يعاني اختناقًا في كل بقعةٍ منه. إن أنسنة العلم تقتضي إعادة تعريف الأولويات: فأي معنى أن تبني القوى المتقدمة مستعمراتٍ على المريخ فيما مئات الملايين من البشر يتلوّون على عتبات الجوع، ويبيت مثلهم بلا مأوى لائق؟ إن هذه اليوتوبيا الفضائية — على الرغم من لبوسها العلمي والتقني — لا تعدو كونها يوتوبيا مبتذلة انفصلت عن جوهر الحاجة الإنسانية، وصارت تعبيرًا فجًّا عن هروب الأقلية المترفة إلى الفراغ بدل مواجهة التناقضات الصارخة التي صنعتها هي نفسها. والأسوأ أن مصادر تمويل هذه المشاريع الحالمة لا تهبط من كوكب آخر، بل تُمتَصُّ من ثروات الشعوب التي أُنهِك جسدها وعرقها ليستثمر في بناء مستعمرات خارج الأرض قبل إنقاذ الحياة على الأرض.
ومن هنا، فإن المشروع الاشتراكي الحقيقي لا يكتمل من دون موقفٍ صارم من سباقات التسلح المستمرة التي تلتهم موارد لا حصر لها من أجل إعادة إنتاج العنف والقوة والسيطرة، بدل أن تُوجَّه لتأمين الاحتياجات الأساسية للمجتمعات المفقَرة. فالسلاح لا يحمي الحياة بقدر ما يرهنها ويبتلع حقها في البقاء. ولذلك فإن كبح جماح التسلح ينبغي أن يكون مهمةً مركزيةً غير قابلة للتفاوض.
وأخيرًا، فإن الاشتراكية معنيةٌ التزامًا لا مفرّ منه بالنضال الأخضر، الذي لا ينظر إلى الأرض كخزان مواردٍ بلا حدود، بل كشرطٍ عضوي لوجودنا وكرامتنا ومعنى إنسانيتنا. إن حماية التربة والماء والهواء من التدمير والنهب ليست تفصيلًا أخلاقيًا، بل هي جوهر الدفاع عن الإنسان ذاته.
هكذا يصبح المشروع الاشتراكي — في جوهر مهماته التاريخية — مشروعًا لإعادة توجيه التقدم العلمي، وضبط التقنية بما يخدم حاجات البشر أولًا، وتقويض وهم اليوتوبيا الفضائية ما لم تتحقق المدينة الفاضلة هنا، وكبح نزعة العسكرة بوصفها امتصاصًا دائمًا للثروة العامة، وتكريسًا حقيقيًا لنضالٍ أخضر يُبقي كوكب الأرض صالحًا للحياة. إنها مهمة إعادة البشرية إلى مركز المعادلة: أن يبقى الإنسان هو السيد لا التابع، وهو الغاية لا الوسيلة، في مواجهة الرأسمالية التي لا ترى فيه أكثر من آلة يمكن استبدالها، أو حقلاً يُستنزف لتمويل رحلاتها إلى المجهول