ألا يستحق زعماؤنا جائزة نوبل... للسلام؟


منذر علي
2025 / 7 / 8 - 23:25     

في المشهد العالمي الذي باتت فيه الجوائز وسامًا للدمار، لا للسلام، حيث يتحول القتلة إلى "صانعي سلام"، والمحتلون إلى "مقاومي إرهاب"، ليس من الغريب أن يتقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بترشيح صديقه الحميم دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام.
نعم، "السلام" — تلك الكلمة التي تُستخدم اليوم بوصفها غطاءً لصواريخ تُلقى على غزة، ومبررًا لحصار شعب بأكمله في اليمن، وتذكرة دخول إلى نادي النفاق الدولي لمن يوقّعون على أوراق التطبيع ويفتحون سفاراتهم في تل أبيب.
إنّ نتنياهو، المعروف برهافته الأخلاقية، وبعطائه الإنساني اللامحدود، لم يكتفِ بترشيح ترامب، بل — بحسب ما تسرّب من مصادر "دبلوماسية مرموقة" — ينوي توسيع دائرة الفضل، وربما سيقترح قريبًا منح الجائزة لبعض الزعماء العرب، أولئك الذين تفوقوا حتى على المدرسة الصهيونية في تعريف "العداء للسامية"، فباتوا يعتبرون كل من يرفض الاحتلال، رجعيًا متخلفًا، وكل من يقاومه، إرهابيًا.
فكرت مليًّا: أليس من الظلم أن يُحرَم زعماؤنا اليمنيون من هذا الشرف؟
أليس من الإجحاف أن يُنسى أمثال رشاد العليمي، وعيدروس الزبيدي، وعبد الملك الحوثي، وطارق صالح، وأبو زرعة المحرمي، وقد قدّموا للسلام — أو ما يُسمّى سلامًا — ما لم يقدمه نتنياهو نفسه؟
ألم يسهموا، كلٌّ بطريقته الخاصة، في تفكيك اليمن إلى كانتونات، وفي إحكام القبضة على الشعب، وفي تسليم القرار لجهات خارجية؟
أليست تلك إنجازات "تستحق التأمل والتكريم"؟
لكن المشكلة الكبرى ليست في الإنجاز، بل في اختيار الأكثر استحقاقًا.
فكل واحد من هؤلاء القادة الخمسة قدّم ما يُمكن وصفه — بلغة العلاقات العامة — بـ “الخدمة الجليلة للسلام العالمي":
• أحدهم قاتل الحوثيين بشراسة، لكنه لم ينسَ أن يُرحب بالإمارات، صديقًا حميمًا على الساحل.
• الثاني أقسم ألا يتراجع عن وحدة اليمن، ثم ساهم في تكريس الانفصال تحت اسم "الفيدرالية".
• الثالث يرفع شعارات السيادة، بينما يُدار من طهران عبر الفتاوى.
• الرابع يرفض التدخل الخارجي، لكنه لا يخطو خطوة دون تنسيق مع الرياض.
• والخامس يحارب "الإرهاب"، لكنه يسلّمه مناطق بكاملها ليتجنب المواجهة.
فأيهم أكثر استحقاقًا؟
هنا تتعقّد المسألة.
فنحن لا نحاكمهم على مشاريعهم التحررية، بل على براعتهم في التدمير المنظم، وعلى قدرتهم على إقناع الشعب بأنّ الكارثة التي يعيشها هي "قدر تاريخي" لا مفر منه، وأنّ الفقر نتيجة " لغضب الله على تمردهم على نواميس الكون"، لا نتيجة فسادهم، وأنّ الجوع سببه "المؤامرة"، لا سبب السياسات الغبية التي يتبنونها.
ولأن لجنة نوبل باتت — في نسختها المعاصرة — أشبه بمهرجان لتوزيع الجوائز على من يُتقنون التواطؤ مع النظام الدولي، فربما آن الأوان لأن نطالب — بصوت يملؤوه الغيظ — بترشيح أحد زعمائنا المحليين لهذه الجائزة المرموقة.
لم لا؟
أليسوا قد نجحوا في تحويل اليمن إلى مختبر مفتوح لنهج ما بعد الدولة؟
أليسوا قد أثبتوا أن التحالف مع المحتل، والتبعية للممول، والتطبيع مع القاتل، يمكن أن تُغلف بأحزمة وطنية، وأناشيد حماسية، ورايات ملونة؟
ولأنني أثق بوعيكم العميق، وبقدرتكم على التمييز بين "السلام الحقيقي" و"سلام المقابر"، فإنني أترك لكم حرية الاختيار:
من بين هؤلاء الخمسة، من هو الأجدر بأن يُزاحم ترامب ونتنياهو، وزعماء الخليج المطبّعين، على جائزة نوبل للسلام؟
من هو الأكثر قدرة على تحويل المأساة إلى إنجاز سياسي؟
من هو الأجدر بأن يُكرَّم على تدمير وطنه، وتجويع شعبه، وتسليم قراره للخارج، دون أن يرفّ له جفن؟
هيّا، لا تفوّتوا الفرصة.
فالزمن زمن الجوائز، لا المبادئ.
وزمن الخضوع، لا السيادة.
وزمن السلام... الذي يعني أن تصمت حين تُقصف، وتبتسم حين تُنهب، وتصفّق حين تُقطع أوصال وطنك قطعةً قطعة.