ما جدوى انتخابات اللجان الثنائية وممثلي الأجراء إذا كانت التمثيلية لا تُحترم في الاتفاقات الاجتماعية؟


عبد الحفيظ حساني
2025 / 7 / 6 - 20:14     

كل ست سنوات، تُخصص ملايين الدراهم من ميزانية الدولة لتنظيم انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء في الوظيفة العمومية، وانتخابات ممثلي الأجراء في القطاع الخاص. ومع اقتراب كل دورة انتخابية، تشتعل المنافسة وتحتدم الحرب بين مكونات الحركة النقابية، وتبدأ معارك كسب ثقة الموظفين والأجراء، طمعًا في الفوز بلقب "النقابة الأكثر تمثيلية"، المخول لها قانونيًا المشاركة في الحوار الاجتماعي وتمثيل الشغيلة في المجالس والمؤسسات الاستشارية .
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: ما جدوى هذه الانتخابات، إن كانت نتائجها لا تُترجم إلى تمثيل فعلي في صياغة الاتفاقات الاجتماعية واتخاذ القرارات المصيرية؟
---
ماهية لقب "الأكثر ثمتيلية" ؟
ا-------------------------------
إن وصف " الاكثر تمثيلية " هو في حد ذاته صوري ويطرح أكثر من علامة استفهام؟؟؟ فهو لا يقصد به ثمتيلية عموم الطبقة العاملة .نظرا لضعف التأطير و انعدام الثقة وعمق الهوة بين الإطارات النقابية و الطبقة العاملة.
و لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلية على الصعيد الوطني ، يكفي الحصول على 6 % على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي والخاص . ( مع العلم أن الأصوات المعبر عنها رغم هزالتها في المجموع العام يحصد اللامنتمون الجزء الأعظم منها)
---
تمثيلية صورية بلا سلطة تفاوضية؟
ا------------------------------------------
لكن، ورغم هذا الإطار القانوني وفي ظل التغطية الشكلية ، يُطرح السؤال حول جدوى تنظيم هذه الانتخابات إذا كانت نتائجها لا تُترجم إلى مشاركة حقيقية في اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصًا في سياق اتفاقات اجتماعية كبرى تُوقّع دون إجماع، بل أحيانًا دون استشارة فعلية لجميع النقابات المعنية.
فقد تم توقيع العديد من الاتفاقات الاجتماعية وتمرير العديد من المخططات المشؤومة ( قانون الإضراب أو" النظام الأساسي للوظيفة العمومية".... ) دون مشاركة أو توقيع بعض النقابات "الأكثر تمثيلية"، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول مدى احترام مبدأ التمثيلية النقابية في بلورة هذه الاتفاقات. وافراغ العملية التفاوضية من مضمونها، ويحوّل التمثيلية من أداة ضغط وتفاوض إلى مجرد إجراء إداري شكلي.
---
تمثيلية للاستهلاك السياسي؟
ا----------------------------------------
ما يحدث فعليًا هو إصرار الحكومة على تنزيل مخططاتها الطبقية، والإملاءات المفروضة عليها من الدوائر المالية العالمية، وتمرير قرارات "جاهزة" بغض النظر عن أي ثمتيلية ...
هذا ما يعني تفريغ الحوار الاجتماعي من مضمونه التفاوضي الحقيقي، وتحويله إلى مجرد واجهة لتأثيث مشهد ديمقراطي وهمي( التبجح بمأسسة الحوار ) . فالنقابات تشارك في لقاءات تُحسم نتائجها مسبقًا، وتُساق للتوقيع على اتفاقات لا تعبّر عن مواقف و تطلعات منخرطيها.
وفي غياب آليات قانونية تُلزم الدولة باحترام مبدأ التمثيلية، يصبح الحوار الاجتماعي مجرد ديكور سياسي، والغرض منه ليس التوافق بقدر ما هو تلميع لصورة المؤسسات الرسمية أمام الداخل والخارج.
---
هل من رد نقابي حقيقي؟
ا----------------------------------
ما جدوى الجلوس إلى مائدة هذه الحوارات ومسايرة جولاتها منذ البداية، طالما أن النتيجة النهائية حتمية ومفروضة ولا يُراعى فيها مبدأ التمثيلية؟
لماذا لا تقاطع النقابات ذات لقب "الأكثر تمثيلية" الحوار الاجتماعي، مركزيًا وقطاعيًا، احتجاجًا على عدم احترام هذا المبدأ؟
بل، ولماذا لا تقاطع هذه النقابات الانتخابات أصلًا احتجاجًا على عدم إعتبار تمثيليتها؟ ولماذا لا تنسحب من مختلف المؤسسات التي تُلحق بها بصفة "الأكثر تمثيلية"، مثل:
مجلس المستشارين
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE)
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)
هيئات الحماية الاجتماعية والتقاعد....
إن التباكي( الماكر ) وحده على عدم احترام مبدأ "الأكثر تمثيلية" لا يكفي ولا يُفيد ولا يغيّر شيئًا من الواقع. وتبقى صفة التمثيلية والمشاركة في هذه الانتخابات مجرد صيغة شكلية وصورية لتأثيث المشهد النقابي والسياسي، وإضفاء الشرعية على العديد من المؤسسات لتلميع صورتها اللاديمقراطية.
أليس من الأجدر أن تُربك هذه النقابات المعادلة الرسمية، بدل الاستمرار في لعب دور المُشارك الصامت في مشهد فاقد للمصداقية؟
---
صمت بيروقراطي و تواطؤ مقصود؟
ا--------------------------------------------
فهل ستدعو المركزيات النقابية والنقابات القطاعية "الأكثر تمثيلية" خصوصا في الجماعات الترابية التي "ترفض" نتائج الاتفاقات الاجتماعية الموقعة ( من طرف نقابات دون تمثيلية 23 يونيه 2025 كمثال ) إلى مقاطعة انتخابات اللجان الثنائية المقبلة كرد على تجاهلها من طرف المديرية العامة للجماعات الترابية و تهميشها من طرف وزارة الداخلية (مع العلم أن هذه اللجان تعتبر هيئة ناخبة للموظفين في انتخابات مجلس المستشارين ، المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ، المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد ، مؤسسة الأعمال الاجتماعية لموظفي الجماعات الترابية و مجموعاتها هيئاتها ) من أجل فرض احترام تمثيليتها والحفاظ على ماء وجهها والضغط على الدولة لرفع كفتها التفاوضية؟
أم أن البيروقراطيات " الاكثر تمثيلية" ستفرض الأمر الواقع و ستختار الطريق السهل للحفاظ على الريع (الحصول على الدعم المالي واللوجستي ) و الأجور السمينة والتقاعد المريح (مشاركة ممثليها في الهيئات الاستشارية التي توزع ريع الثمتيلية )؟
وهل سيتم التغاضي و التخلي عن دور الدفاع على هذا " المبدأ" . لتبدأ عملية قرع طبول المُنَافسة من جديد ،وتتم التعبئة لإعادة إخراج نفس المسرحية، وتُعاد سمفونية التفوق و "الاكتساح" و"احتلال الصف الأول"، في مشهد نقابي وسياسي هجين بأدوار مبتذلة و متبادلة ؟.
---
خاتمة:
ا--------
التمثيلية ليست أرقامًا انتخابية فقط، بل هي تعبير عن قوة وتأثير واستقلالية وخلق موازين قوى حقيقية. وأمام العجز لربط مبدأ "التمثيلية" بالشرعية الفعلية في اتخاذ القرار، فإن كل هذه الانتخابات واللجان و البيانات و البلاغات والمعارك النضالية و التنظيمية الوهمية تبقى مجرد مسرحية سياسية رديئة الإخراج.
وما لم تتحرك القواعد النقابية المناضلة بجرأة لفضح حقيفة البيروقراطية ومقاطعة هذا العبث ، ولعب دورها التاريخي في تعميق الوعي الطبقي للعمال ، و تكون صوتهم الحر . فالأفضل طيّ هذا الملف وإعلان نهاية زمن النقابات بكرامة