حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
ليث الجادر
2025 / 7 / 6 - 00:07
كثيرًا ما يجادل بعض النقاد، بمنطق ميكانيكي سطحي، بأن الاشتراكية لا تبدأ إلا من حيث تمتلك الطبقة العاملة وسائل الإنتاج بشكل مباشر وملموس. ويستدلّ هؤلاء بأدلة نصية مأخوذة من التراث الماركسي صيغت أصلًا في سياق رأسمالي محدّد، كان فيه تضخّم الملكية الخاصة هو جوهر المشكلة وعصب علاقات الاستغلال. غير أنّ استدعاء هذه النصوص خارج سياقها المادي يغفل حقيقة أن جوهر التحليل الماركسي لا يكمن في تقديس شكل الملكية بذاته، بل في تفكيك علاقات الإنتاج التي تجعل من الملكية وسيلةً لتراكم رأس المال الخاص وانتزاع فائض القيمة.
من هنا، حينما تختفي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وينتفي شرط الاستئثار الفردي أو الطبقي بها بغرض تحقيق الربح، فإن مفهوم «الملكية» ذاته يفقد معناه الرأسمالي. فإذا انتقلت وسائل الإنتاج إلى ملكية الدولة وأُلغيت الملكية الخاصة بالكامل، فإن الدولة لا تصبح «مالِكًا خاصًا» بالمعنى الرأسمالي، بل تتحوّل – من حيث المبدأ – إلى جهاز إدارة جماعية للإنتاج، مُفترض أن يعمل لصالح المجتمع بأسره. عند هذه النقطة، تتبدّل الملكية من صيغة استئثارية إلى صيغة «اجتماعية» أو «عامة»، فيزول مدلولها الاحتكاري لصالح معنى التسيير الجماعي للموارد. وبذلك، فإن القول بأن الدولة «تملك» وسائل الإنتاج كما يملكها الرأسمالي، ليس سوى إسقاط قسري لعلاقات إنتاج رأسمالية على واقع يفترض أنه تخطّاها، إذ تكون العلاقة الإنتاجية قد تغيّرت جوهريًا، وزال معها شرط تراكم فائض القيمة لصالح طرف خاص.
وإذا ما تعمّقنا أكثر في تفكيك بنية هذا النقد، فسنكتشف نتيجة صادمة مفادها أن هذا الخطاب في جوهره لا يصدر عن وعي ماركسي جدلي، بل يعبّر عن نزعة أناركية خالصة، أو ما يسمّى في الأدبيات الماركسية بـ «الفوضويين». فجوهر هذا الاعتراض يقوم على رفضٍ مبدئيٍ للدولة بوصفها أداةً تنظيمية، من دون أي تمييز بين الدولة كجهاز قمع طبقي في خدمة البرجوازية، والدولة كآلية انتقالية تُدير مرحلة تحويل الملكية من الخاص إلى الاجتماعي. وبهذا يكرّر هؤلاء، من حيث لا يشعرون، أطروحات باكونين حين خاصم ماركس واتهمه بالتواطؤ مع الدولة لمجرد أنه رفض الدعوة إلى إلغائها دفعة واحدة دون اعتبار للواقع التاريخي.
إن هذا النمط من النقد يستبدل التحليل المادي الجدلي بنزعة أخلاقوية مثالية، تعجز عن التمييز بين شكل الدولة ووظيفتها التاريخية. فيختلط عندهم شكل «الملكية» بجوهر علاقات الإنتاج، ويتحوّل الشعار التحرري لديهم إلى قفزة في الفراغ: رفضٌ مطلق لكل سلطة تنظيمية باسم الحرية المجردة، دون تقديم بديل عملي لإدارة الإنتاج والتوزيع. وبهذا المعنى، فإن نقدهم الميكانيكي للاشتراكية التي لا تقوم حصريًا على امتلاك العمال لكل مصنع بشكل فردي، لا يعدو كونه إعادة إنتاجٍ للنزعة الفوضوية التي لم ينجح باكونين نفسه في تبريرها أمام صرامة النقد الماركسي ومنطقه الجدلي