مايكل زومر (1952 – 2025): وداعًا لضميرٍ نقابي عالمي ورمزٍ للوحدة والتضامن


جهاد عقل
2025 / 7 / 1 - 18:15     

برحيل مايكل زومر، تفقد الحركة النقابية العالمية أحد أعمدتها الصلبة، ورجلاً نذر حياته للعدالة الاجتماعية، ووهب صوته وفعله لكرامة العمل وحقوق العمال، في ألمانيا كما في كل ركن من أركان العالم.

مايكل زومر، الرئيس السابق لـ DGB، في عام 2014.

مقدمة - “ لا يجب أن تُورث الرماد، بل النار!".

توفي النقابي المخضرم مايكل زومر (1952-2025). أعلن الاتحاد الألماني للنقابات (DGB) عن ذلك في 30 حزيران / يونيو 205 . ووفقًا للبيان الصادر عن الحركة النقابية الألمانية والعالمية حيث جرى التعبير فيه عن الخسارة الفادحة للحركة النقابية عامة.
وُلِد مايكل زومر في بودريش وهي الآن جزء من ميربوش ، شمال الراين وستفاليا ، قرب دوسلدورف عام 1952، درس العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة من عام 1971 إلى عام 1980. وكانت أطروحته للدبلوم حول خصخصة خدمات الطرود التي كانت في السابق جزءًا من خدمة البريد الحكومية.كان عضوًا في نقابة البريد الألمانية ، التي أصبحت جزءًا من ver.di (اتحاد نقابات عمال الخدمات المتحدة) حيث تدرج في المناصب النقابية حتى أصبح رئيسًا لـ ver.di في 18 آذار/ مارس 2001. وبعد عام، في 28 أيار / مايو 2002، انتُخب رئيسًا لاتحاد نقابات العمال الألماني (DGB). وشغل هذا المنصب لمدة اثني عشر عامًا حتى مايو 2014 ، بدءًا من عام 1971. أصبح زومر عضوًا في الحزب الديمقراطي الاجتماعي في عام 1981. وكان له دورٌ كبيرٌ في تشكيل مسار الحركة النقابية الألمانية. ناضل الفقيد بلا كللٍ من أجل التضامن والعدالة في عالم العمل. كانت قناعته الأساسية: "نحن مستقلون عن السياسات الحزبية، لكننا لسنا محايدين سياسيًا" ، وكان شعار مايكل سومر: “ لا يجب أن تُورث الرماد، بل النار!".
تمتع مايكل زومر بسمعة دولية مرموقة. في عام 2010، انتُخب رئيسًا للاتحاد الدولي للنقابات العمالية.

"بوفاته، فقدنا نقابيًا عظيمًا"

خلال فترة ولايته، نجح النقابي مايكل زومر في إيصال وجهة نظر النقابة إلى النقاشات السياسية. فقد ناضل بشغف لسنوات طويلة ضد إصلاحات هارتز والتوسع الهائل في العمالة غير المستقرة. وكان أعظم نجاح سياسي حققه الرئيس السابق لنقابة العمال الألمانية هو تطبيق الحد الأدنى القانوني العام للأجور، الذي بدأ العمل به بعد عام واحد من تولي سومر منصبه.
ودّع الاتحاد الألماني للعمال رئيسه السابق بالكلمات التالية: "كان مايكل زومر واحدًا منا قلبًا وقالبًا. برحيله، نفقد نقابيًا عظيمًا ناضل بشغف من أجل عالم أكثر عدلًا “.


قائد نقابي صلب في ألمانيا

وُلد مايكل زومر في عام 1952، وترعرع في سياق سياسي واجتماعي عميق التغير، حيث تشكل وعيه في ظل نضالات الطبقة العاملة في ألمانيا الغربية. التحق بالحركة النقابية مبكرًا، وانخرط في صفوف اتحاد موظفي الخدمات العامة “ÖTV”، أحد المكونات الأساسية لاتحاد النقابات الألماني
(DGB).
ارتقى زومر في العمل النقابي خطوة بعد خطوة، حتى أصبح في عام 2002 رئيسًا للـ DGB، أكبر تجمع نقابي في ألمانيا، يضم ملايين العمال والعاملات من مختلف القطاعات. وخلال فترة رئاسته التي استمرت حتى عام 2014، عُرف زومر بقدرته على الجمع بين الصلابة المبدئية والحنكة السياسية.
قاد الـDGB في مرحلة حرجة، تزامنت مع إصلاحات “أجندة 2010” التي أدخلتها حكومة غيرهارد شرودر، والتي اعتُبرت آنذاك ضربة لأسس دولة الرفاه والعمل اللائق. واجه زومر هذه السياسات بمعارضة نقابية قوية ومدروسة، دافع خلالها عن حقوق العاطلين والعمال ذوي الأجور المتدنية، وطالب بإصلاح عادل لا يُحمّل الضعفاء ثمن الأزمات الاقتصادية.
كما دعم زومر بشدة إقرار الحد الأدنى للأجور في ألمانيا، وهو ما تحقق لاحقًا عام 2015. وكان له دور حاسم في إعادة الاعتبار للعمل النقابي بين الشباب والعمال المؤقتين، وفتح الـDGB لمبادرات جديدة في مجال التعليم العمالي، المساواة بين الجنسين، والاندماج الاجتماعي للمهاجرين.

صوت عالمي للعدالة والتضامن

لم تتوقف مساهمة مايكل زومر عند حدود بلاده، بل أصبح أحد الوجوه البارزة في الحركة النقابية العالمية. شغل منصب نائب رئيس الاتحاد الدولي للنقابات (النقابات الحرة سابقاً) بين 2006 و2010، ثم انتُخب رئيسًا للاتحاد من 2010 إلى 2014، حيث لعب دورًا محوريًا في تعزيز وحدة النقابات عالميًا، والدفاع عن الحوار الاجتماعي والديمقراطية في أماكن العمل.
في عام 2009، نظم الـDGB تحت قيادته اجتماع المجلس العام للاتحاد الدولي للنقابات العمالية في برلين، وهو حدث بالغ الرمزية شهد لقاء النقابيين مع المستشارة أنغيلا ميركل، ومثّل اعترافًا رسميًا بالدور الحاسم للنقابات في تشكيل السياسات العامة. كما استضاف الـDGB في عهده المؤتمر العالمي الثالث للاتحاد الدولي للنقابات العمالية عام 2014، الذي جمع مئات النقابيين من أنحاء العالم تحت راية التضامن الأممي.
عرف زومر بمواقفه الحاسمة ضد النيوليبرالية، وعمل الطوارئ، واتفاقات التجارة الجائرة، كما وقف إلى جانب قضايا العدالة المناخية وحقوق المرأة والعمال المهاجرين. وكان صوتًا ثابتًا في الدفاع عن الحريات النقابية في البلدان القمعية، دون مساومة أو مجاملة.
شهادة حية من رفاق النضال

في نعيه، قال الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات، لوك تريانغل:

“لقد جسّد مايكل زومر قيم الحركة النقابية العالمية: التضامن، والشجاعة، والسعي الدؤوب لتحقيق العدالة. كان رجل تواصل وبناء، ووحّد الصفوف، وقائدًا مبدئيًا بكل ما للكلمة من معنى. سيبقى تأثيره مصدر إلهام للأجيال القادمة من النقابيين حول العالم.”
وفي نعيه، قال النقابي فرانك فيرنكي، رئيس مجلس إدارة اتحاد نقابات العمال ( ver.di )، نيابةً عن المجلس التنفيذي الفيدرالي لها: "نفقد نقابيًا نبيلًا، حساسًا، ومؤثرًا، كان له تأثيرٌ كبيرٌ في تأسيس ver.di. برحيله، رحل مناضلٌ صامدٌ من أجل حقوق الموظفين والعدالة الاجتماعية. سنخلّد ذكراه".

نعي خاص

بدوري أشارك في نعي النقابي مايكل زومر الذي التقيته في العديد من المحافل النقابية المحلية والدولية وأُشير الى قوة معرفته في القضايا العمالية والحقوق النقابية ومعارضته للسياسات النيولويبرالية ،وإنحيازه لحقوق الطبقة العاملة بالرغم من كونه نشيطاً في السابق بإطار ما عُرف ب- "الإشتراكية الدولية " ،حقاً فقدنا شخصية نقابية لها باع طويل في ترسيخ أسس الحركة النقابية الدولية بمرحلة تعتبر من المراحل الصعبة والشاقة للطبقة العاملة عالمياً ، وذلك في تثبيت الحقوق التي ناضلت من أجل تحقيقها بإستمرار ، ولا ننسى موقفه الخاص وتأثره الشديد الذي عبّر عنه عندما وقع حادث إنهيار مبنى مصنع رانا بلازا للنسيج في بنغلادش على عاملات وعمال النسيج عام 2013 وقيامه نتيجةً لذلك، بالدفاع عن قانون سلسلة التوريد.

إرث لن يُنسى
برحيله في عام 2025، يغيب جسد مايكل زومر، لكن فكره وأثره يظلان حاضرين في كل نضال من أجل العدالة الاجتماعية. لقد كان تجسيدًا للقيادة الأخلاقية، للثبات على المبدأ، وللإيمان العميق بأن العالم يمكن أن يكون أفضل حين نُنصت لصوت العمال.
فليرقد مايكل زومر بسلام، ولتبقَ ذكراه منارة للأمل والتضامن والعدالة الإجتماعية.