العدوان على إيران جولة لم تحسم الصراع
سعيد مضيه
2025 / 6 / 26 - 11:51
استراتيجية الحركة الصهيونية تهويد فلسطين
جيف هالبر -ترجمة سعيد مضيه
وسيتخذ ’حل الدولتين‘ شكل بانتوستان فلسطيني صغير، مُقطّع، شبه سيادي، وغير قابل للحياة، مُحاط بإسرائيل الفصل العنصري وسيطرتها" يحذر جيف هالبر من احتمال خروج إسرائيل دولة إقليميية من صراعها مع إيران. كتب هالبر مقالته "فلسطين العالمية: إسرائيل والفلسطينيون:ألشرق الأوسط والعالم بعد الهجوم الأمريكي على إيران" على عجل وقبل ان ينتظر التطورات الدرامية التي قلبت توقعاته رأسا على عقب. جيف هالبر عالم أنثروبولوجيا إسرائيلي مناهض للاستعمار الاستيطاني، عمل رئيسا للجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم منازل الفلسطينيين ، وعضو مؤسس في حملة الدولة الديمقراطية الواحدة. أحدث كتبه هو "إنهاء استعمار إسرائيل، تحرير فلسطين: الصهيونية، الاستعمار الاستيطاني، وقضية الدولة الديمقراطية الواحدة" (لندن: بلوتو، ٢٠٢١).
مساء ٢١ يونيو في واشنطن، وصباح ٢٢ يونيو هنا في القدس، هاجمت الولايات المتحدة المنشآت النووية الإيرانية، منضمةً إلى هجوم إسرائيلي أوسع نطاقًا يهدف إلى القضاء على منافس لها على الهيمنة الإقليمية، وهو هجوم لم يستهدف المنشآت النووية الإيرانية ونظام الصواريخ الباليستية فحسب، بل استهدف البنية التحتية المدنية أيضًا، على أمل إحداث تغيير في النظام. كانت الأهداف الرئيسية للهجوم ثلاثية الأبعاد:
أولًا، أعادت إدارة ترامب تأكيد مزاعم الهيمنة العالمية بقيادة الولايات المتحدة، وهو شرط أساسي تعتمد عليه سياسة "أمريكا أولاً" الانعزالية. حتى لو كانت التفجيرات عملاً أجوف، لا يتجاوز كونه هجومًا آمنًا وانتهازيًا ضد عدوٍّ مُنهك للغاية، فإنها تُثبت استمرار أولوية القوة في فرض هيمنة الولايات المتحدة وحلف الناتو، وهي علاقة مع "الباقي" سبقت رئاسة ترامب بفارق كبير.
ثانيًا، أعاد هذا القرار التأكيد على مكانة إسرائيل كقوة مهيمنة إقليمية، تمثل المصالح الأمريكية وتعززها وتحميها - وهي "رسالة" حيوية لإسرائيل التي تجد نفسها معزولة بشكل متزايد في المجتمع الدولي، والتي أصبحت فائدتها للأمريكيين موضع تساؤل منذ السابع من أكتوبر. ولكن الأهم من ذلك، أنه أشار إلى أن إسرائيل نفسها تتمتع بمساحة عمل مستقلة، وأنها قادرة على العمل كقوة مهيمنة إقليمية. إن حقيقة كون نتنياهو قد تلاعب بترامب، بمهاجمة إيران رغم المعارضة الأمريكية، ثم منح ترامب "نصره" المجيد، قد أضفت مصداقية كبيرة على إسرائيل كقوة فاعلة في حد ذاتها. "إسرائيل تقوم بالعمل القذر نيابة عنا جميعًا"، كما لاحظ المستشار الألماني ميتز.
ثالثًا، إذن، بالنسبة لإسرائيل، فإن التحييد السريع لمنافس قوي على الهيمنة الإقليمية، بمشاركة أمريكية في النهاية، لم يُرسخ مكانتها كقوة عسكرية مهيمنة في الشرق الأوسط فحسب، بل أكد أيضًا قدرتها على رؤية عملية التطبيع مع العالم العربي التي بدأها ترامب في ولايته الأولى. يجب أن نفهم أن جميع سياسات إسرائيل وأفعالها تنبع من طموح شامل واحد: استكمال مشروع الصهيونية الذي استمر 130 عامًا لتهويد فلسطين. ولتحقيق ذلك، يجب أن يقبل العالم العربي والمجتمع الدولي بإسرائيل "الكبرى" الممتدة على كامل فلسطين التاريخية؛ أما المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، بعد اكتماله، فلا يتطلب سوى تطبيعه كـ"حقيقة سياسية".
مسار الدبلوماسية الأبراهامية أو التهجير الجماعي؟
أعاق السابع من أكتوبر عملية التطبيع، في الوقت الذي أعلن فيه نتنياهو من على منصة الجمعية العامة أنه "بينما بشّرت اتفاقيات إبراهيم بفجر عصر جديد من السلام، أعتقد أننا على أعتاب اختراق أكثر دراماتيكية - سلام تاريخي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. سيقطع هذا السلام شوطًا طويلاً في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل". ولإعادة هذه العملية إلى مسارها الصحيح، كان على نتنياهو القيام بأمرين:
أولًا، يجب عليه ضمان قدرة الأنظمة العربية على الازدهار اقتصاديًا في منطقة سلمية، كما يليق بالهيمنة العسكرية. ولتحقيق هذه الغاية، فكك القدرات العسكرية لوكلاء إيران، حزب الله والحوثيين (وهو مشروع مستمر)، بينما سحق حماس، فرع جماعة الإخوان المسلمين المُسلّحة من إيران، والذي كان مصدر إزعاج حال دون زوال النضال الفلسطيني من خلال التطبيع. ثم شرع في نشر جيشه لتحييد إيران كتهديد عسكري ومنافس محتمل على الهيمنة الإقليمية، وتحديدًا ضد المملكة العربية السعودية. هذا، بالإضافة إلى تأكيد الأمريكيين على أن إسرائيل وكيلهم المهيمن، عزز مكانة إسرائيل كطرف لا غنى عنه.
ثانيًا، على نتنياهو أن يكسر المقاومة الفلسطينية نهائيًا، ويهدئ الفلسطينيين ليخضعوا لعملية تطبيع إسرائيل اليهودية على كامل فلسطين التاريخية. لا شك أن التنازل عن الحقوق الفلسطينية أمر ضروري.
لا شك أن التنازل عن الحقوق الفلسطينية أمرٌ ضروري. سيتخذ "حل الدولتين" شكل بانتوستان فلسطيني صغير، مُقطّع، شبه سيادي، وغير قابل للحياة، مُحاط بإسرائيل الفصل العنصري وسيطرتها. هذا يكفي الدول العربية التي تحتاج إلى وجود إسرائيلي قوي، وعلى عكس شعوبها، لا تُبدي تعاطفًا يُذكر مع الفلسطينيين المُزعجين ذوي التوجه الديمقراطي، وترغب في تجاوز "الصراع" الذي لا ينتهي. على الرغم من أن حملة الإبادة الجماعية والتهجير والاستيطان الغاضب التي تشنها إسرائيل باستمرار تُهدد بإثارة معارضة التطبيع بين الشعوب العربية والإسلامية على نطاق أوسع، إلا أن التهدئة يجب أن تسبق التطبيع. لا يُمكن للمملكة العربية السعودية الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم طالما استمرت المقاومة الفلسطينية، مع أنها حريصة على ذلك. يجب على إسرائيل أن تُنتج فترة من الهدوء التام يتراجع فيها النضال الفلسطيني عن الأنظار العامة، وهو ما يُفسر، على نحوٍ مُخالفٍ للبديهة، الطبيعة الإبادية لحملة القمع التي تشنها في غزة والضفة الغربية. إن سحب الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي من إيران ووكلائها عن حماس، المعقل الوحيد المتبقي للمقاومة الفلسطينية، يُمهّد الطريق للتهدئة والتطبيع.
ويخدم الهجوم على إيران كل هذه الأغراض.
للتواصل مع جيف هالبر[email protected].
jif halbir ealim anthir