استقلال إعلام قوى اليسار من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة-، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة السابعة
فاطمة الفلاحي
2025 / 6 / 25 - 22:22
في عالم الصحافة ظهرت تقنيات إنتاج مواد صحفية من أخبار وتحليلات اقتصادية وسياسية بواسطة الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر برامج وتقنيات تستخلص بيانات هائلة من الأرشيف الرقمي، ثم تقوم بتحريرها وتدقيقها، وتوجيه المحتوى تلقائيا إلى جمهور محدد.
وهذا التنام الكبير في عالم الصحافة والإعلام، يؤدي إلى إحداث تغيير جذري في عالم الإعلام، بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرمجياته وتطبيقاته، فسيكون الأول في تهديد مستقبل الإعلام.لذا :
سؤال 7
كيف لقوى اليسار أن تبني إعلامها المستقل واستقلالها التكنولوجي أمام أدوات الذكاء الاصطناعي وأن تتحرر فعليا من ياقته؟
يجيبنا الأستاذ رزكار عقراوي على سؤالنا آنف الذكر:
سؤال اخر في غاية الأهمية، لأنه لا يكتفي بطرح الموقف اليساري النقدي من الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، بل يذهب مباشرة إلى قلب التحدي التاريخي المطروح أمام قوى اليسار اليوم، كيف نبني بدائل اعلامية وتكنولوجية مستقلة، كيف نخرج من حالة التبعية الرقمية التي تحاصر وتقييد الإعلام والنشاط السياسي والفكري لقوى اليسار واليات تواصله مع الجماهير، ونشق طريقا نحو استقلال إعلامي وتكنولوجي فعلي يقطع مع الخضوع الكامل للخوارزميات والهيمنة الرأسمالية.
كما أشرت مرات عدة، ان الذكاء الاصطناعي هو امتداد عضوي لمنطق السيطرة الطبقية. الخوارزميات ليست محايدة، بل مبرمجة داخل مصالح محددة، وتخدم توجهات أيديولوجية رأسمالية واضحة. لذلك، فإن بناء إعلام يساري ومنصات رقمية مستقلة يتطلب أكثر من مجرد إنشاء منصات بديلة أو قنوات منفصلة كحل ممكن وسريع، المطلوب بشكل كامل هو تفكيك العلاقة البنيوية بين إنتاج المعرفة الرقمية وإعادة إنتاج الهيمنة الرأسمالية.
الإعلام اليساري الذي يظل خاضعا لتوصيات يوتيوب، وخوارزميات فايسبوك، وخدمات غوغل وغيرها من المنصات الرأسمالية، لن يكون مستقلا، مع انه يحمل خطابا يساريا تقدميا، لكنه مشروط بشكل خفي ببنية السيطرة ذاتها. الوصول إلى الجماهير يمر عبر خوارزميات لا يملكها ولا يتحكم بها، وهو وجمهوره معرض في أي لحظة للحجب أو الإغلاق أو التضييق أو التعتيم أو القمع الرقمي، كما يحدث بشكل متزايد مع الأصوات اليسارية والتقدمية في كل مكان سواء كانت تنظيمات أو افراد، وبالأخص عندما يتقوى دورها وتكون عامل ضغط على الدول الكبرى والاستبدادية.
من هنا، فإن بناء استقلال إعلامي يساري لا يمكن أن ينفصل عن بناء استقلال تكنولوجي. ولذلك فأن المهمة الكبيرة لقوى اليسار في العالم هي العمل المشترك من اجل بناء بنى تحتية رقمية مستقلة، تقدمية مفتوحة المصدر، تدار بشكل ديمقراطي وتشاركي، خارج آليات السيطرة والمراقبة والتوجيه الخفي، وتبنى على مبادئ الشفافية والعدالة الرقمية وحقوق الانسان والمساواة في الوصول والحماية الصارمة للخصوصية. هذا يعني خلق منصات تواصل يسارية، أرشيفات رقمية مستقلة، محركات بحث لا تمول من الإعلانات الرأسمالية، وشبكات توزيع للمحتوى لا تخضع لرقابة المركز الرأسمالي. لا يمكن لهذا المشروع أن يتحقق من خلال تنظيم يساري محلي واحد أو مبادرة محدودة، هو مهمة جماعية أممية على اليسار العالمي أن يخوضها، من خلال التعاون بين الحركات والتنظيمات والنقابات والباحثين والمهندسين والناشطين، لبناء شبكة تكنولوجية تقدمية بديلة. وهذا يتطلب بناء أمميات يسارية رقمية لتنفيذ هذه المهمة الحساسة والملحة، رغم الاختلافات الفكرية الموجودة هنا وهناك بين قوى اليسار.
التحرر من ياقة الذكاء الاصطناعي الرأسمالي يتطلب بناء خطاب تحريضي تحليلي قادر على فضح منطق الذكاء الاصطناعي الرأسمالي نفسه وطريقة عمله. الاستقلال الإعلامي اليساري يبدأ من كسر التبعية لمنطق السوق، من التحرر من مقاييس الوصول، الانتشار، التفاعل كمعايير نجاح وحيدة. الإعلام اليساري يجب أن يعيد تعريف النجاح بالقدرة على بناء وعي تقدمي مرتبط بتنظيم جماهيري على الارض، إنتاج معرفة تحررية تساهم في التغيير الاجتماعي، ونقل الصراع الطبقي إلى الفضاء الرقمي نفسه.
هذا يتطلب أيضا تدريب الكوادر الإعلامية والسياسية في قوى اليسار تقنيا وفي كافة المستويات من اجل الاستخدام الفاعل لأدوات الذكاء الاصطناعي المفتوحة، وتطوير مهارات تحليل الخوارزميات، وتوظيف أدوات تقنية جديدة وتحديد نقاط الضعف داخل الفضاء الرقمي، طبعا دون الخضوع له. البديل هو العمل الجاد من اجل إنتاج خوارزميات بديلة، تغذى بخطاب يساري تقدمي، وبمحتوى ينتج من التجربة النضالية اليومية لشغيلات وشغيلة اليد والفكر. من دون ذلك، سنبقى ندور داخل فضاء لم نصممه، وننتج رسائل لا نتحكم في مصيرها، ونخاطب جمهورا يعاد تصنيفه وتوجيهه وفق منطق السوق والهيمنة الرأسمالية.
الاستقلال الإعلامي والتكنولوجي هو معركة وجودية لابد ان يخوضها اليسار الآن. فمن يملك أدوات الذكاء الاصطناعي والمنصات الرقمية اليوم، يملك أدوات تشكيل الوعي وتوجيهه والتحكم به، وإذا لم يتم كسر هذا الاحتكار، سيعاد إنتاج الهيمنة الرأسمالية بأدوات أكثر ذكاء وخطورة وتحكما وعمقا. لذلك، فإن بناء إعلام ومنصات رقمية يسارية مستقلة وتحرير الذكاء الاصطناعي من قبضتهم هو جزء مهم لا يتجزأ من المعركة الطبقية في عصرنا.
انتظرونا في الحلقة الثامنة من حوارنا "كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة"