أحمد التليلي: ضمير الحركة النقابية والوجه الديمقراطي المغيّب في تاريخ تونس
جهاد عقل
2025 / 6 / 25 - 16:47
مقدمة
أشرف النقابي نور الدين الطبوبي الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل صباح يوم الأربعاء 25 حزيران 2025 على مراسم إحياء ذكرى القائد النقابي والوطني احمد التليلي ، خلال زيارة ضريحه بإشتراك أفراد عائلته وثلة من النقابيين ، وبعد قراءة الفاتحة على روح الفقيد، أكد النقابي نور الدين الطبوبي في كلمته على أهمية إحياء ذكرى الفقيد "ليكون دوماً مثالاً للنقابيين والنقابيات وللجيل النقابي الجديد ليعلموا حجم التضحيات التي قام بها الرواد لبناء الوطن والإتحاد وقدموا أرواحهم لفائدة تونس".
ويعتبر الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو يوم ذكرى رحيل أحد أبرز رموز الحركة الوطنية والنقابية التونسية،القائد النقابي والوطني أحمد التليلي،الرجل الذي اقترن اسمه ببناء أولى اللبنات الصلبة للاتحاد العام التونسي للشغل، والذي دفع ثمن تمسكه بالمبادئ النقابية والديمقراطية بالإقصاء والمنفى. قليلون من يحظون في ذاكرة التاريخ التونسي بمكانته، إذ يجمع إرثه بين مقاومة الاستعمار، والنضال من أجل استقلالية العمل النقابي، والوقوف ضد انحراف السلطة بعد الاستقلال.
النشأة والتكوين
وُلد المرحوم أحمد التليلي في 10 تشرين الأول / أكتوبر عام 1916 بمدينة قفصة، في الجنوب الغربي التونسي، في وسط فلاحي بسيط. ثم التحق بالمدرسة الفرنسية - العربية في قصر قفصة، وواصل دراسته في المدرسة الصادقية في تونس العاصمة، والتي كانت حينها من أبرز المعاقل الفكرية التي خرّجت نخبة من الزعماء والمصلحين. هذا المسار التربوي أهّله للانخراط مبكراً في الحياة العامة، حيث ظهرت ميوله الوطنية والاجتماعية منذ شبابه.
النشاط النقابي: من التأسيس إلى الريادة
انخرط القائد أحمد التليلي مبكراً في الحركة النقابية، وكان أحد أبرز مؤسسي الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) سنة 1946، إلى جانب القائد فرحات حشاد. عرف عنه دفاعه المستميت عن استقلالية المنظمة النقابية عن الأحزاب السياسية، وهو المبدأ الذي ظل وفياً له طوال حياته. في كانون الأول / ديسمبر 1952، بعد اغتيال القائد فرحات حشاد، عُيّن عضواً في الهيئة القيادية للإتحاد العام التونسي للشغل ، ثم تولى منصب أمين عام مساعد الأتحاد سنة 1954. وفي خضم الصراع على استقلال تونس، لعب دوراً محورياً في تأطير العمال التونسيين ضمن دينامية وطنية جماعية ضد الاستعمار الفرنسي. بعد الاستقلال، أصبح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل من 1956 إلى 1963، وقاد مرحلة بالغة الحساسية في مسار بناء الدولة الوطنية، حيث سعى للحفاظ على التوازن بين الانخراط في المشروع الوطني ومقاومة محاولات توظيف النقابات من قبل النظام.
النشاط السياسي والوطني
بالإضافة إلى دوره النقابي، كان القائد النقابي أحمد التليلي من أعضاء الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري الجديد، وتولى منصب أمين الصندوق فيه بين 1955 و1963. كما مثّل تونس في عدة محافل دولية، لا سيما في أفريقيا، وكان أول أفريقي في الأمانة العامة للاتحاد الدولي للنقابات الحرة (ICFTU)، مما أهّله ليلعب دوراً بارزاً في دعم حركات التحرّر الوطني، خاصة في الجزائر وفلسطين.
القطيعة مع النظام والمنفى
في بداية الستينات، مع تنامي النزعة الاستبدادية في النظام الحاكم، بدأ التليلي في توجيه نقد صريح لخيارات الرئيس الحبيب بورقيبة، خاصة فيما يتعلق بتهميش الديمقراطية ومصادرة استقلالية النقابات. بلغت القطيعة ذروتها سنة 1964 حين قدم التليلي استقالته من الاتحاد العام التونسي للشغل بسبب احتواء المنظمة من قبل السلطة، ثم تم طرده من الحزب وحرمانه من عضوية البرلمان، ما دفعه إلى مغادرة البلاد نحو المنفى في باريس، حيث بقي مهمشاً ومراقباً حتى وفاته المفاجئة يوم 25 حزيران/يونيو 1967، في ظروف لا تزال غامضة إلى حد الآن. تم نقل جثمانه إلى تونس ودفنه في مقبرة الجلاز، جنباً إلى جنب مع رموز المقاومة الوطنية، لكنه ظل مغيباً عن التكريم الرسمي لعقود.
الإرث والتكريم المتأخر
رغم أن اسمه لم يُذكر كثيراً في كتب التاريخ الرسمية، فإن أحمد التليلي يمثل ضمير الحركة النقابية الديمقراطية في تونس، وتجسيداً لرفض التبعية والانتهازية السياسية. أعيد الاعتبار له جزئياً بعد أحداث 2011، من خلال إطلاق اسمه على عدد من الشوارع والمؤسسات.
في السنوات الأخيرة، أحيت بعض مكونات المجتمع المدني والاتحاد العام التونسي للشغل ذكراه، وصدرت عنه دراسات وشهادات تؤكد عمق إسهامه الوطني والنقابي.
خاتمة
كان القائد النقابي أحمد التليلي أكثر من مجرد نقابي، بل كان مفكراً سياسياً ومثقفاً عضوياً حمل هموم العمال والوطن في آن واحد. دفع حياته ثمناً لموقفه الرافض للهيمنة وتدجين النقابات، وعاش منفياً لأنه تمسّك بفكرة أن الاستقلال لا معنى له دون حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية. إن ذكرى وفاته اليوم ليست فقط محطة تأبين، بل دعوة لتأمل حاضر العمل النقابي ومستقبله في ضوء إرث قادةٍ من طينة أحمد التليلي.