ازمة النظام الراسمالي العالمي


غسان الرفاعي
2025 / 6 / 25 - 18:19     


تعاني العلاقات الدولية اضطرابات خطيرة ، سببتها ، اساسا ، ازمة النظام الراسمالي العالمي نتيجة الضيق شبه المطلق الذي اخذت تعاني منه علاقات الانتاج القائمة على العمل المأجور، مع الميل المتزايد الضاغط للتحول الى العولمة ، نتيجة الثورة العلمية التكنولوجية الهائلة في الانتاجية ، في وقت لم تعد فيه مكونات البناء الفوقي لكل بلد راسمالي بمفرده قادرة على ان تؤمن الحماية والامان للراسمال الخاص " لبلدها ! " ، بسبب تسارع وتقدم عملية انتقال الراسمالية الى عصر " العولمة " ، حيث اضطر الراسمال الخاص في كل بلد متقدم ان يدخل سوقاً عالمية موحدة تُفرض عليه فيها منافسة قسرية في ظروف ضاغطة جراء التفاوت في موازين القوى فيما بين " الحلفاء " ! لقد ادى هذا الامر الى اتخاذ الازمة صفة شمولية عالمية متداخلة معقدة ، منذ ثمانينات القرن الماضي ... مما فاقم التناقضات فيما بين المراكز الراسمالية الرئيسية ، ونشّط فيما بينها ، وضد بعضها البعض ، عمليات تشجيع وتنظيم الانقلابات والمؤامرات السياسية لتوسبع مجالات النفوذ السياسي – الاقتصادي في بلدان العالم الثالث ... ومن الطبيعي جدا ان ينعكس ذلك بمزيد من التوتر الاجتماعي والتعقيد السياسي والصراعات الدموية داخل هذه البلدان الضحية نفسها . ... لقد كان من الطبيعي ان يسبق هذا الواقع ، وان يرافقه ، تجدد مظاهر الفاشية في ميول العديد من الاحزاب ، وفي ممارسات ومواقف بعض الحكومات ... ، وهذا ما أسس لمزيد من التفلت من مراعاة مبادىءالقانون الدولي وتقاليد التعامل الدولي فيما بين الدول ، التي أُرُسيت اسسها وقواعدها خلال المئتي سنة المنصرمتين بنضالات وتضحيات الشعوب .
هذه المعوقات السياسية الخطيرة -- التي ينبغي عدم فسح المجال لتثبيتها كشرعية مقبولة -- تفرض نفسها مهمة نضالية اممية عامة مشتركة غير قابلة للتأجيل بالنسبة للشعوب ، باعتبارها شروطا حيوية لتأمين سلامتها وأمنها اولا ، ولضمان حريتها في بناء حياتها ووطنها وفق ارادتها ومصلحتها ، ثانيا .

هذا الوقت الذي لا يقدم فيه الوضع الدولي الراهن الذي يحيط بنا لا يقدم ، بتعقيداته الكثيرة والمتداخلة ، مؤشرات واضحة تسمح باستنتاج ما يمكن أن تأوول اليه التطورات مستقبلاً ، بصورة دقيقة واكيدة ... ، إلا انها تؤشر ، مع ذلك ، الى متغيرات ذات شأن ودلالة سياسية كبيرة لابد من اخذها بعين الاعتبار ، تجسدت بصورتها الاوضح والاقوى ، في الاونة الاخيرة ، بنشوء ائتلاف بريسك الذي ضم خمس دول كبيرة ، يعيش في اطاره حوالي نصف سكان كرتنا الارضية ، مع اعلان سياسي صريح برفض اي نهج يراد تكريسه لإبقاء مصالح ونهج الاحتكارات الاميركية والدولار -- وليس ارادة الشعوب ومصالحها -- هي المحدد والمقرر لتوجهات التطور العام لكل بلد ، والاساس في توجيه وتسيير العلاقات الدولية ! من الطبيعي والمنطقي انه لا يمكن تقييم نشوء " بريسك "، وتحديد طبيعة دوره إلا كتعبير وكظاهرة تطورٍ سياسية ايجابية ، كبيرة الدلالة في نظام العلاقات الدولية ، اكتمل نضوجها ، كنتاج لتفاعلات الاحداث والنضالات الديموقراطية التي خاضتها الشعوب في بلدانها ، خلال العقود الاخيرة ، والتي انعكست تأثيراتها ، بهذه الدرجة او الصورة على نهج الحكومات .
في اطار هذا المسار العام للتطور ، تحتل الصين الشعبية بصورة جد مشروعة ثقلا ودوراً رئيسيا في تحسين وتعديل التوازن الدولي العتيد الذي ترنو اليه قوى التقدم والديموقراطية في سائر بلدان العالم . لقد بني هذا الدور وتطور على اساس النجاحات التي حققتها الصين في مجالات العلوم اولا ، وبوتائر تطور وتصاعد ونسب نمو الاقتصاد الصيني ... بعكس ما ينتاب ويرافق الاقتصاد الاميركي التضحم والركود ، بصورة شبه دائمة .
ان الجموح العدائي الذي تبديه الاحتكارات الاميركية وممثلوها السياسيون والايديولوجيون والاعلامييون بخاصة ، ضد مسيرة النجاح الصينية العلمية ، وما تحققه في تطوير الاقتصاد الصيني داخليا ، مع تقديم المساعدات الى البلدان الاخرى ، لا يؤكد فقط حجم واهمية ما قدمته حتى الان ، بل يؤشر ، كذلك ، وبشكل خاص ، الى اهمية ونوعية المتغيرات الفكرية والسياسية التقدمية التي يمكن ان تحدثها على الصعيد العالمي العام ايضا. وتحتل روسيا الاتحادية كذلك ( باعتبارها ركنا تاريخيا اساسيا في موازنة الطغيان الامبريالي الاميركي ) ، مثل الصين ، موقعا رئيسيا ً في جبهة القوى التي اخذت تتصدى لتفلت طغاة الراسمال الاميركي من قواعد ومبادىء القوانين الدولية ، في سعي لفرض ارادتهم المصلحية على سائر الدول والامم . في هذا الضوء من الطبيعي ان تُستكمل هذه العملية السياسية العظيمة التي تتصد ى للهيجان الفاشي الذي يبديه الراسمال الاحتكاري الاميركي على وجه الخصوص ، بحركة جماهيرية واسعة ، اممية الطابع ، تحرك اعمق اعمق الجماهير في بلدان القارات الثلاث : آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية ( االتي حملت نضالاتها رايات الحر ية والديموقراطية والتقدم طيلة عقود وعقود خلال النصف الثاني من القرن الماضي ) لتسهم بقسطها الطبيعي في معركة التحرر النهائية من عبودية نظام النهب الاستعماري والتمييز العرقي وا لاضطهاد القومي ! في هذه المعركة الكبرى لابد من تعطيل فعل ذاك " الترياق الايديولوجي " المخدر الذي اُستحدث بحجة سقوط التجربة السوفياتية ، حين زُعم بخلود وقدسية نظام الاستغلال الاستعماري -- الراسمالي . هذه الخطوة ضرو ية ، لها اولويتها ، ولابد منها ، لإزاحة عقبة مانعة ولاجمة للحركة الجماهيرية الديموقراطية بطروحات تتلبس صورا محلية شتى : دينية ... مذهبية ... طائفية ... قبائلية !

من البديهي والطبيعي جدا ان يصاغ هذا الانتي ترياق الا يديولوجي بلغة وتعابير تراعي وتحترم التقاليد والمعاير الفكرية والا يمانية والاخلاقية والقبلية السائدة في كل بيئة : فالمهمة النضالية الوطنية الديموقراطية الا ساسية هي النجاح في إشراك الجماهير في النضال من اجل ترجيح موازين القوى على صعيد المجتمع تسمح باجراء اصلاحات ديموقراطية حقيقية في تركيب جهاز الدولة وفي نهجها العام الاصلاحي الديموقراطي السياسي والاقتصادي والاجتماعي ... ان الضغوط الخارجية التي تتعرض اليها بلداننا ، وبتعدد ممارسيها من دول ومنظمات ارهابية ومغامرة ورجعية ... وبقوتها وثقله وباستمراريتها ... مع الاستجابات السياسية الداخلية المختفة والمتناقضة فيما بينها التي تثيرها ... تزيد في صعوبة وتعقيدات المعركة ، وتتطلب سرعة المبادرة لجدولة الاعمال التحضيرية بتوسيع دائرة الاتصالات الداخلية والخارجية للتشاور والنقاش للاتفاق على صيغة بيان ( بلاتفو رم ) متوافق عليه اولاً ... وثانيا لتقرير فيما اذا كنا سنبقي النشاطات في الاطر الوطنية وحسب ، أم نرى انه من الافضل ، وان الامكانات تسمح ، بتنظيم نشاطات فكر ية عالمية الطابع ، نتوج بها النشاطات الوطنية ... لتوسيع دائرة التجاوب الجماهيري .