آبادة المسيحية في بلاد امازيغن


كوسلا ابشن
2025 / 6 / 24 - 21:53     

آبادة المسيحية في بلاد الأمازيغ
دخل الإيمان المسيحي الى بلاد الأمازيغ في القرن الأول الميلادي, ربما مع سمعان الأمازيغي الذي ساعد المسيح على حمل الصليب, أثناء إقتياد المسيح الى الصلب.
في القرن الثاني الميلادي عرفت المسيحية إنتشارا واسعا, و لعب الرهبان الامازيغ دور كبيرا في التحريض ضد روما الوثنية وقيادة الإنتفاضة ضدهم. واجه الجيش الروماني المقاومة الناشئة بوحشية, وحكم على ألآف المسيحيين بالموت في ساحات الكولوسيوم على يد المصارعين أو الوحوش المفترسة أو الثيران المتوحشة. ساد هذا النوع من العقاب الوحشي ضد المسيحيين في بلاد الامازيغ خاصة في عهد قيصر ديوكلتيان في القرن الثالث الميلادي. مارس الإحتلال الروماني ضد المسيحيين الامازيغ كل اشكال التعذيب والتنكيل والقهر لإجبارهم عن التخلي عن الدين المسيحي و الرجوع الى الآلهة الرومانية.
إعتراف كوستانتين الاول في القرن الرابع برسمية الإيمان المسيحي, و بهذا الإعتراف تو العداء ضد المسيحيين الأمازيغ, إلا أن الإضطهاد الإجتماعي سيفجر الثورات ضد الحكم الروماني, و عدم وقوف الكنيسة الرسمية بجانب الشعب الأمازيغي, أدى الى إنقسام الكنيسة بين المؤيدة لحكام روما و المؤيدة لإستقلال الشعب الأمازيغي و إستقلالية الكنسية عن روما. هكذا سيبرز المذهب الأريوسي و كذا الكنيسة الدوناتية على حلبة الصراع السياسي و الديني.
في ظل الصراع الأمازيغي - الروماني, عرفت بلاد الامازيغ في سنة 429 م, توغل الوندال الجرمانيون, و أعلنوا سلطتهم على قرطاج بعد إنهزام البزانطيين. مع الوندال سيسود الخراب و الظلم و الصراع السياسي و الديني, و سيزيد من إشتعال الثورة الأمازيغية ضد الإحتلال الأجنبي. القضاء على الوندال, لم ينهي الإحتلال الأجنبي و الصراع الديني, الذي ظل على وتيرته حتى الغزو الأعرابي لبلاد الأمازيغ, ليبدأ صراع مع عدو آخر و ديانة جديدة.
كانت المسحية هي الديانة الأكثر إنتشارا في بلاد الأمازيغ, مع وجود أقلية يهودية و أقلية تابعة للديانات المحلية, و لقد لعب اللاهوتيون الأمازيغ دورا بارزا في التطور الفلسفي الإيماني للكنيسة الغربية, و أبرزهم القديس أغوستين. لقد قدم إمازيغن للكنيسة الكاثوليكية ثلاث باباوات, البابا فيكتور الأول ( 189-199) و البابا ميليتياد (311), أما في ظل رسمية المسيحية, فقد تربع على عرش الكنيسة الكاثوليكية البابا جلاسيوس الأول (492-496).
دخلت الديانة المسيحية الى بلاد الامازيغ في وقت كانت فيه من محرمات العصر, تجلب لأتباعها الإضطهاد و القتل, و رغم ذلك رحب بها الأمازيغ و إعتنقوا تعاليمها, و دافعوا عن إيمانهم المسيحي لقرون من الزمن حتى إقتنعت بيزنطة بالإعتقاد المسيحي و جعلته ديانة رسمية للإمبراطورية البزنطية.
دخل الاسلام بلاد ايمازيغن غازيا, و إنتشر بالقتل و الترهيب, بعد 70 سنة من المقاومة للإستعمار الأعرابي, إضطر الأمازيغ للإستسلام تجنبا للآبادة الشاملة و للحفاظ عن نسلهم, و إعتنقوا الإسلام من دون المعرفة شيْ عن العقيدة الجديدة.
بالغزو الأعرابي سيعيد التاريخ نفسه في شكله المأساوي, ببدأ عصر قمع الحريات الدينية و قتل أتباع الديانات الغير الإسلام, و ستهيمن في بلاد الأمازيغ الإديولوجية الإسلامية الرجعية, القائمة على عدم التسامح مع الآخرين, الإيديولوجية القائمة على التحرض بإباحة دم "المشركين" و القائمة كذلك على الإستلاب الثقافي و اللغوي, الهادف الى الإغتراب الذاتي و المسخ الهوياتي.
أجبر أغلبية الامازيغ بالقوة و الإكراه بالتخلي عن المسيحية و إعتناق دين الارهاب و التخلف و الجهل و الظلامية, ليس إيمانا به, بل للحفاظ على استمرارية الوجود بعد الابادة الجماعية التي تعرض لها من تشبث بالدين المسيحي. حاول الإستعمار محو آثار المسيحية, فتم تحويل الكنائس المسيحية الى المساجد و كسر الرموز المسيحية و مصادرة أملاك المسيحيين, إلا أنه لم يستطيع القضاء النهائي على الإيمان المسيحي, الذي ظل سائدا في المناطق الجبلية و في الصحراء حتى العهد الموحدي ( الأمازيغي), لقد ذكر بن خلدون وجود المسيحيين الأمازيغ في هذا العهد, و يتضح أن الموحدون, هم من قضى على ما تبقى من المسيحية, خاصة في المناطق الجبلية, بالإجبار القسري الإختيار بين الذبح أو التحول الى العقيدة الإسلامية. لقد أقسم محمد الأعرابي على أن لا يبقي عن اليهود و النصارى في بلاد العرب, و على دربه العنصري الفاشستي, أمر الخليفة يوسف بن المنصور الموحدي, أن لا يبقي على المسيحية في بلاد الأمازيغ. و رغم آبادة المسيحية في العهد الموحدي, إلا أنه بقيت بعض مناطق الطوارق الصحراوية حاضنة لما تبقى من المسيحية التي كانت سائدة في بلاد الأمازيغ لقرون عدة. كما أن الرفض للإيديولوجية الإسلامية بقي راسخا في اللاوعي الجمعي, المعبر عنه حاليا بالرجوع التدريجي الى ديانة الأجداد, في ظل السلطة الكولونيالية العرو- اسلامية المضطهدة لأتباع الديانة المسيحية بكل الأساليب و الأدواة القهرية و منها " القوانين" الدينية القمعية, تحت يافتة حماية الأمن الروحي و محاربة زعزعة عقيدة .
مصادقة الأنظمة الكولونيالية في بلاد الأمازيغ على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و خاصة المادة (18), يتناقض مع سياستها الممنهجة المعادية للمسيحية. عدم قبول الآخر و عدم التسامح مع معتقادات الآخرين و عباداتهم و طقوسهم, هو من يؤجج الكراهية للمسيحيين, و إنتهاك حقوقهم في ممارسة معتقداتهم و شعائرهم بحرية و سلام حتى في البيوت الخاصة, التي يجب أن تكون حرة و لا سلطة للمسلمين في منع صلاة المسيحيين في أملاكهم الخاصة. مؤخرا في الدار البيضاء إرتفعت أصوات الدعاوي, تطالب المخزن الإسلامي بالتدخل لمنع المسيحيين من الصلاة في منازلهم, الدعوي التي إستجاب لها المخزن بالمنع. الإيديولوجية الاسلامية علمت القطيع عدم التسامح مع المسيحية, و على هذا المبدأ يتم محاربتها, و عدم السماح لأتباعها بممارسة شعائرهم الدينية بحرية. القطيع الذي يندد بمزاولة المسيحيين لعبادتهم في منازلهم الخاصة, هو نفس القطيع الذي يتهم الغرب بالإسلاموفوبيا عندما يعارض القانون و المواطنون صلاة المسلمون في طريق السيار و الشوارع العامة. رغم أن الصلاة في البيوت لا تعيق الأمن العام و لا تخالف القانون و لا تهدد حياة الآخرين, بخلاف الصلاة في طريق السيار, المخالف للقانون و المعيق لحركة السير و المهدد لحياة المصلين أنفسهم قبل غيرهم.
إن الإعتقاد بالفكرة القائلة إن دين الله هو الإسلام, و أن الإسلام دين الحق, هي من تعيق الحرية الدينية و التسامح مع المعتقدات و الشعائر الآخرين. ما دامت الأنظمة الكولونيالية في بلاد الأمازيغ تيوقراطية إستبدادية و تحسن لعبة التقية في تضليل العالم بأكذوبة التسامح و حرية الأديان, فإنها ستستمر في إنتهاك حقوق المسيحيين, في غياب التنديد الدولي و غياب تضامن الفاتيكان مع المقهورين المضطهدين من أتباع المسيح في بلاد الامازيغ المقهورة تحت نير الكولونيالية العرو-إسلامية.