الإصلاح الاقتصادي: لحظة من لحظات الهيمنة


محمد عادل زكي
2025 / 6 / 22 - 14:11     

ما يُسمّى في الخطاب الرسميّ بـ"الإصلاح الاقتصَادي" ليس إلا مجموعة من التوصيات، قل الأوامر، الصادرة من لدن المؤسسات المالية والنقدية الدولية. هو لحظة من لحظات الهيمنة الحضارية الشَّاملة، تُفرض بآليات ناعمة، لكنها لا تقلّ توحشًا عن أدوات الاستعمار التقليدي. فالإصلاح، في صورته السَّائدة داخل السياقات العربيَّة، لا ينبع من تحليل داخلي للبُنَى الاجتماعيَّة والاقتصادية، ولا يستند إلى وعي تاريخي ناقد يُنتج البدائل، بل ينطلق من مسلّمات تستبطن تفوق المعقل الرأسمالي وتُعيد إنتاج شروط التبعية تحت لافتة الحداثة والانفتاح. لقد وُلد مفهوم "الإصلاح الاقتصادي" في الغرب الليبرالي بوصفه استجابة لأزماتٍ هيكلية داخل منظومة الإنتاج الرأسمالية، بدءًا من أزمة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، ثم أعيد تشكيله في ثمانينياته، لا ليحمي المجتمع من السوق، كما كان الحال في نموذج "كينز"، بل ليحمي السوق من المجتمع، كما جاء في برامج "فريدمان" ومنذ تلك اللحظة، تحوّل الإصلاح من مشروعٍ اجتماعيّ إلى أداة لضبط الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العاليم، وفُرض عليها كجزء من مشروع عالمي لإعادة ترتيب اقتصاد الكوكب على نحو يخدم منطق التراكم الإمبريالي. فباسم "الإصلاح"، تُحرَّر الأسعار وتُرفع يد الدولة عن الصحة والتعليم والعمل، وتُخصخص الأصول العامة، لا لأن المجتمع قرّر ذلك، بل لأن شروط التمويل الخارجي تتطلّبه. يُعاد تشكيل المواطن لا كفاعلٍ سياسيٍّ مالك لحقوق، بل كمستهلك هشٍّ في سوقٍ مفتوح لا يرحم، ويُعاد تعريف الدولة لا كأداةٍ للعدالة، بل كجهاز إداري مهمته تسهيل عمليات التبادل والتكيّف مع السوق العالمية. بهذا المعنى، لا يُمكن فهم "الإصلاح" إلا بوصفه حلقة في سلسلة طويلة من محاولات السيطرة، ليس فقط اقتصاديًا، بل فكريًا وثقافيًا أيضًا. فالإصلاح، هنا، ليس إعادة توزيع عادلة للثروة، ولا استجابة وطنية لأزمة، بل هو إعادة هندسة للمجتمع، تُفرغ الدولة من مضمونها السيادي، وتُحوّلها إلى وكيل محلّي للرأسمال العالمي.