لوس أنجلوس: المهاجرون يواجهون سياسات ترامب الفاشية
مرتضى العبيدي
2025 / 6 / 22 - 02:13
قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب منع مواطني نحو عشرين دولة من دخول الولايات المتحدة. ويتضمّن القرار تحجيرا كاملا على مواطني 12 دولة دخول التراب الأمريكي، في حين فرض قيودًا جزئية على دخول مواطنين من 7 دول، بما في ذلك كوبا وفنزويلا. ويُعدّ حظر السفر الجديد الذي فرضه ترامب جزءا من سياسة الترحيل الجماعي التي وعد بها خلال حملته الانتخابية.
وعلى الرغم من النكسات العديدة في المحاكم التي أبطلت العديد من أوامره التنفيذية، والرفض العام المتزايد في صفوف المواطنين الأمريكيين وضمن جماعات (les communautés) المهاجرين، فإن الهجمة الأخيرة تُبيّن أن ترامب مازال متمسكا بتنفيذه رغم أنف الجميع. وهو برنامج -لو كتب له النجاح- سيغيّر بشكل جذري حياة أعداد كبيرة من المهاجرين وأسرهم من خلال موجة فوضوية من الاعتقالات والسجن والترحيل القسري لأجل غير مسمى.
الوقائع
فمنذ يوم الجمعة 6 جوان الجاري، تشهد لوس أنجلوس احتجاجات ردًا على المداهمات الجماعية للمهاجرين التي تنفذها سلطات الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، والتي تستهدف مهاجرين “غير مسجّلين”، في أحياء متفرقة من المدينة.
وعلّق ترامب على ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي بالقول إن لوس أنجلوس مدينة "غزاها واحتلها المهاجرون غير الشرعيين والمجرمون"، وأمر بتعبئة 2000 من الحرس الوطني لقمع التظاهرات.
وفي يوم الأحد الموافق 8 جوان 2025، تظاهر مئات المهاجرين من أمام مبنى بلدية المدينة، فاصطدمت المسيرة بنحو 20 عضوا من الحرس الوطني الذين يحرسون مدخل المبنى الفيدرالي، الذي يضم سجن هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك ( ICE).
في اليومين الأولين، حافظ المحتجون على الطابع السلمي رغم كثافة الغضب الشعبي، مطالبين فقط بوقف الاعتقالات الجماعية، ومنددين بما وصفوه بـ “العنصرية الممنهجة في تطبيق قوانين الهجرة”، حتى أن شرطة لوس أنجليس أصدرت مساء السبت بيانا قالت فيه: “اليوم، كانت المظاهرات في المدينة سلمية، ونحن نُشيد بكل من مارس حقه الدستوري بمسؤولية”، غير أن الوضع بدأ يتغير تدريجياً، خاصة بعد تسجيل حالات عنف متفرقة، ما دفع السلطات إلى إعلان حالة طوارئ محلية.
ومن بين عوامل الاحتجاج، الجوانب اللاإنسانية لقانون الهجرة في الولايات المتحدة، وخاصة في ولايات الجنوب، الذي يعتبر أن الأبناء الذين وُلدوا على الأراضي الأمريكية يتوفرون على الجنسية الأمريكية، بينما آباؤهم يعيشون في وضع غير قانوني ويبقوا مُعرضين للطرد في كل لحظة، حسب نزوات الحكام. ولم تعد إدارة ترامب تستهدف فقط المهاجرين الذين وصلوا مؤخراً إلى البلاد، بل حتى أولئك الذين يقيمون منذ سنوات طويلة.
ومع تصاعد التوتر، تحوّلت هذه التظاهرات إلى احتجاجات واسعة النطاق عمّت وسط المدينة بالكامل، رافقتها مشاهد صدامية مع قوات الشرطة. فأعلنت هذه الأخيرة أن الاحتجاج "تجمع غير قانوني" لتبرير قمع المتظاهرين. وعندما رأى المتظاهرون أن السلطات تصدهم، سيطروا على أحد الطرق السريعة، وأوقفوا حركة المرور لعدة ساعات.
عندها أعلنت بلدية لوس أنجلوس، فرض حظر تجول يومي، من الساعة 8 مساءً حتى السادسة صباحًا، ضمن منطقة تمتد على 2590 متر مربع من قلب المدينة. وفي الوقت الذي بررت فيه البلدية القرار، بأنه يأتي لـ”ضمان سلامة الجميع”، اعتبره نشطاء حقوق الإنسان، محاولة لخنق صوت الشارع.
وكان أحد العناصر المهمة للفعاليات هذه الأيام هو تواجد الشباب الذين رفعوا أعلام بلدان مختلفة، بما في ذلك العلم الأمريكي، مما يُظهر تنوع مجتمع المهاجرين في المدينة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الولايات المتحدة، حيث يبلغ عددهم حوالي عشرة ملايين نسمة، منهم ما يقرب من مليون مهاجر “غير شرعي” حسب تصنيف ترامب وزبانيته، والغالبية العظمى منهم عمال.
التصعيد
وعلى صعيد آخر، ومع تصاعد الأحداث، دخلت إدارة الرئيس الأمريكي على خط الأزمة التي أشعلها زعيمها، فأمرت بإرسال وحدات من الحرس الوطني والمارينز إلى لوس أنجلوس “لحماية الممتلكات العامة واستعادة النظام”، وفق ما جاء في بيان رسمي. فقد تم إرسال 700 من قوات المارينز، لينضموا إلى حوالي 4,100 من قوات الحرس الوطني الموجودة بالفعل في المدينة، أو المُصرح لها بالانتشار لاحتواء الاحتجاجات.
وبهذه الخطوة، تجاوز ترامب سلطة حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، وجعل الحرس الوطني في الولاية فدراليا، مستخدماً قانوناً نادراً، يُفعّل فقط في حالات “التمرد أو خطر التمرد ضد سلطة حكومة الولايات المتحدة”.
وقد فجّر هذا القرار خلافًا قانونيًا حادًا بين الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية كاليفورنيا، حيث اعتبر الحاكم “غافين نيوسوم”، أن تدخل الجيش “غير قانوني ويهدد الأسس الديمقراطية”، ليُعلن عن عزمه رفع دعوى استعجالية أمام المحكمة الفيدرالية لوقف الإجراءات.
واليوم ما تزال الاحتجاجات مستمرة في مناطق متفرقة، وهي تُبرز إلى أي مدى أصبحت سياسات الهجرة ملفًا متفجرًا في قلب المجتمع الأمريكي، خاصة مع اقتراب أيّ من المحطات الانتخابية إن على صعيد الولايات أو على الصعيد الفدرالي.
وفي مشهد يحمل الكثير من الرمزية، شوهدت جموع المحتجين ترفع لافتات كُتب عليها “لسنا غير قانونيين… نحن بشر”، في تعبير واضح عن الأبعاد الإنسانية التي تقف خلف هذه الحركة الاحتجاجية. وهو ما يكشف مجددا زيف الشعارات التي ترفعها الامبريالية الأمريكية بمناسبة وبغيرها كدولة “ديمقراطية”، تمنح لنفسها حق التدخل في كل الأصقاع تحت غطاء “التدخل الإنساني” ( ingérence humanitaire) إلا في بلادها ومع مواطنيها.
الطريق نحو الاستبداد
وإذا كان إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس يُعتبر منعطفاً، فإن إرسال قوات المارينز يُعتبر منعطفاً أكبر، بحكم أن هذه القوات ارتبطت لدى الأمريكيين، وباقي العالم، بالتدخل في المناطق الحربية مثل العراق وأفغانستان وسوريا وفيتنام. كما أنها المرة الأولى التي تشهد فيها البلاد إرسال قوات المارينز بكثافة لمواجهة احتجاجات مدنية وسط الولايات المتحدة، بعدما كان الأمر يقتصر فقط على الحرس الوطني، وكانت لوس أنجلوس قد شهدت مشاركة عشرات من قوات المارينز في مساعدة الحرس الوطني في احتجاجات سنة 1992 في المدينة نفسها.
وتشير مختلف هذه المؤشرات (إرسال جنود لقمع معارضة داخلية، واعتقال قادة نقابيين، وتهديد سياسيين معارضين...) الى ترسّخ مظاهر الاستبداد والفاشية في عهدة ترامب الثانية.
لذلك، بدأ المهاجرون وأنصارُهم من الأمريكيين في ولايات أخرى بالاستعداد لتنظيم احتجاجات في تامبا بفلوريدا وشيكاغو ونيويورك وبوسطن ودالاس
وبدأت هذه التظاهرات ضد سياسة ترامب تتحول إلى ما يشبه الاحتجاجات التاريخية التي شهدتها الولايات المتحدة، ما بين ماي وجوان 2020، عندما قتل ضباط الشرطة أمريكياً من السود هو جورج فلويد في مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا. وكان الرئيس الأمريكي وقتها جو بايدن في البيت الأبيض، والآن ها هو ترامب يواجه سيناريو مماثلاً بعدما كانت القيادة العسكرية إبان ولايته الأولى قد رفضت إنزال الجيش الأمريكي إلى الشارع لمواجهة المحتجين.
أما هذه المرّة، فلم يكن الرئيس بحاجة إلى انتظار أزمة لشن حملة قمع استبدادية. بل إنه استطاع ببساطة اختلاق واحدة لا يقدر هو ولا غيره توقع حدودها في الزمان والمكان ولا انعكاساتها الممكنة على حياة الأمريكيين عموما والمهاجرين بصفة أخصّ.