بعد تهديد الحزب الشيوعي.. الحكومة الإسبانية ترفض زيادة تخصيصات حلف الناتو


رشيد غويلب
2025 / 6 / 21 - 22:17     

أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الخميس الفائت، رفض طلب السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، بحلول عام ٢٠٣٢، زيادة الإنفاق العسكري من 2 إلى 5 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. وقبل قمة الناتو في لاهاي في ٢٤ حزيران، كتب رئيس الحكومة الإسبانية إلى روته أن مثل هذه الزيادة "غير منطقية وغير مناسبة".
تؤكد الحكومة الإسبانية قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلف الناتو دون الحاجة إلى هذه المبالغ الطائلة، وتقترح أن تساهم الدول الأكثر ثراءً بشكل أكبر في بتمويل التحالف. إن زيادة ميزانية الدفاع إلى 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تساوي 80 مليار يورو إضافية، مما سيؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الدين العام. ولتحقيق المستوى المطلوب، لا بد من خفض الإنفاق على السياسات والمشاريع الاجتماعية، مما يعني زيادة العبء على الفئات الفقيرة والمتوسطة.
ويُؤكد سانشيز، الذي يقود تحالف حكومي يضم إلى جانب حزبه الديمقراطي الاجتماعي، تحالف سومار اليساري، الذي يشترك فيه اليسار الإسباني المتحد، والذي يعتبر الحزب الشيوعي الإسباني قوته الرئيسية، أن حكومته خصصت بالفعل 10,5 مليار يورو إضافية للإنفاق العسكري هذا العام محققةً بذلك، لأول مرة، الهدف السابق للناتو البالغ 2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي للدول الأعضاء. وهذا يُضاعف الإنفاق العسكري بالفعل. ولهذا السبب، يُطلق حزب المعارضة اليساري "بوديموس"، غير المشترك في الحكومة على رئيس الوزراء لقب "أمير الحرب"، وهو ما يُزعج سانشيز بشدة.
لقد اضطر تحالف سومار اليساري الشريك في الحكومة إلى الموافقة على قبول أكبر زيادة في الإنفاق العسكري في تاريخ إسبانيا، منذ نهاية دكتاتورية فرنكو الفاشية، ويعود، ضمن أسباب أخرى، إلى قناعة سومار بأن أوروبا يجب أن تحرر نفسها من الولايات المتحدة وتخصص المزيد لميزانية الدفاع.

الشيوعي الإسباني يهدد
في السابع من حزيران، هدد إنريكي سانتياغو، السكرتير العام للحزب الشيوعي، بمغادرة التحالف الحاكم، إذا وافق سانشيز على تحقيق هدف الناتو البالغ 5 في المائة، خلال قمة الناتو في لاهاي. والمعروف ان سانشيز يحتاج إلى طمأنة حلفائه اليساريين، بسبب تزايد فضائح الفساد داخل حزبه الحاكم، بالإضافة إلى أن استطلاعات الرأي الأخيرة تؤكد فوز اليمين المحافظ في حال الذهاب إلى انتخابات مبكرة. إن ما حدث يؤكد أن ضغط اليسار يحقق أهدافه، إذا ما تم استخدامه بمصداقية ووضوح عاليين.
وكانت العاصمة مدريد قد شهدت في السابع من حزيران تظاهرة كبيرة ضد إعادة التسلح في إسبانيا. دعت إلى هذه المظاهرة "الجمعية المناهضة لإعادة التسلح"، التي تضم 75 من أحزاب سياسية ونقابات وحركات اجتماعية. وجاءت التظاهرة بمثابة تحذير مباشر للحكومة من أي موافقة تبديها خلال قمة الناتو المقبلة نهاية حزيران، وتُشدد على أهمية زيادة ضغط المجتمع المدني. وقد تحقق ما دعا اليه المحتجون في ضمان عدم قبول الحكومة الإسبانية أي زيادات مُلزمة أخرى في الإنفاق العسكري.
شارك في التظاهرة أبرز قوى اليسار الاسباني المتحد، وحزب بدوموس غير المشارك في التحالف الحاكم. في حين يحمل بودوموس مسؤولية القرارات الحكومية لطرفي التحالف الحاكم بالتساوي، يؤكد سومار أن قرارات الحكومة بشأن الحرب والسلام، تقع حصرياً على عاتق حزب العمال الاشتراكي الإسباني الحاكم.
ولذلك قرر "اليسار المتحد" المشاركة بفعالية في تنظيم تظاهرة السلام في 7 حزيران في مدريد، وكذلك المشاركة في القمة المضادة لقمة الناتو في يومي 20 و21 حزيران، بالإضافة إلى أنشطة أخرى مُخطط لها في عواصم أوروبية مُختلفة،. وقد شارك أنطونيو مايلو، المنسق العام لحزب اليسار المتحد، بالفعل، إلى جانب قياديين من بودوموس في تظاهرة أصغر حجمًا ضد الحرب وتكديس الأسلحة في إشبيلية، نظمت في وقت سابق، دعت إليها 40 منظمة. وتشير قيادة سومار أن بودوموس كان قد وافق على زيادات سابقة أقل قيمة لأغراض الدفاع، عندما كان جزءًا من التحالف الحاكم. وعلى الرغم من التباين، إلا أن بودوموس واليسار الإسباني المتحد متفقان على أن ملف الحرب والسلام يمثل قضية رئيسية مشتركة.
مما لا شك فيه سيثير الرفض الإسباني جدلاً واسعاً داخل أروقة الناتو، خاصةً في ظل الدعوات المتزايدة لتصعيد العسكرة في سياق حروب الهيمنة الجارية داخل أوربا وخارجها. ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستتم مراجعة مقترح زيادة الإنفاق الدفاعي في ضوء الرفض الإسباني، أم سيتجه الحلف نحو إجراءات أخرى لضمان التزام جميع الأعضاء بالمساهمات الدفاعية المطلوبة؟