المؤتمر الكونفدرالي الثالث عشر لنقابة -اللجان العمالية الاسبانية- (CCOO)
جهاد عقل
2025 / 6 / 21 - 14:02
ظل تحولات عميقة تعصف بالبنية الاجتماعية والاقتصادية في إسبانيا، إنعقد المؤتمر الكونفدرالي الثالث عشر لنقابة "اللجان العمالية الاسبانية" (CCOO) في العاصمة مدريد أيام 19 إلى 21 حزيران / يونيو 2025، تحت شعار: “استجابات، تحديات جديدة، نفس النضال”.
في الواقع لم يكن المؤتمر مجرد حدث تنظيمي داخلي، بل شكّل منصة للحوار الإجتماعي العابر للحدود، حيث طُرحت إشكالات العمل النقابي في عصر تتقاطع فيه الأزمات الاجتماعية، التكنولوجية، البيئية والسياسية. وقد جاء هذا في ثلاثة مستويات وهي: محور التنظيم، المحور السياسي، والنتائج الاستراتيجية.
أولًا: السياق وسير المؤتمر
إنعقد المؤتمر في وقت حساس في ظل أزمة فساد سياسي وفجوة متنامية بين عالم العمل والمؤسسات الرسمية. شارك فيه نحو 750 مندوبًا ومندوبة، إختيروا عبر عملية ديمقراطية من
هياكل النقابة المحلية والقطاعية. بالرغم من بروز نقاش داخلي ، أي في المؤتمر حول الحاجة إلى تجديد الأطر القيادية في المستقبل، لكنه جرى إعادة إنتخاب الأمين العام أوناي سوردو لولاية ثالثة وأخيرة بالتزكية، في دلالة على ثقة عالية بأدائه.
ثانيًا: المحاور النقابية والسياسية
خلال أبحاث المؤتمر المستفيضة جرى التركيز على المحاور التالية :
1. محاربة الفساد العام واستعادة الثقة العامة: أعلن القائد النقابي سوردو موقفًا صارمًا ضد الفساد داخل المؤسسات، مطالبًا بسياسات تطهير شفافة تعيد الثقة للمواطنين، رافعًا شعار “لا ديمقراطية دون أخلاق عامة".
2. تعزيز الحق في الإضراب: من أبرز مخرجات المؤتمر قرار إنشاء صندوق دعم للإضرابات، كآلية تنظيمية لتعزيز الحق في الإضراب عمليًا.(أنظر لاحقاً حول الندوة التي عقدت بهذا الخصوص).
3. خفض ساعات العمل: ناقش المؤتمر سُبُل خفض أسبوع العمل إلى أقل من 37.5 ساعة، ضمن إطار إعادة توزيع الزمن ورفع الإنتاجية.
4. أزمة السكن والعمالة الشابة: إعتبر المؤتمر أزمة السكن عائقًا بنيويًا أمام دمج الشباب في سوق العمل.
5. التنظيم الداخلي والديمقراطية التمثيلية: طرح المؤتمر إصلاحات في آليات اختيار القيادات والمندوبين على صعيد نظيم اللجان المالية الإسبانية.
ثالثًا: البعد الدولي – مشاركة النقابات العالمية
كان أحد أبعاد المؤتمر اللافتة هو الحضور النقابي الدولي القوي، حيث شارك فيه وفود من نقابات دولية وإقليمية،نذكر البعض منها:
- الاتحاد الأوروبي للنقابات
- الاتحاد الدولي للنقابات العمالية
- الإتحاد العربي للنقابات
- اتحادات من أمريكا اللاتينية، المغرب، فرنسا، ألمانيا، تشيلي، وكولومبيا
وقد إعتبر النقابي سوردو هذه المشاركة “دليلًا على وحدة النضال العمالي على مستوى عالمي”، مضيفًا أن “ما يجمعنا كطبقة عاملة يتجاوز الحدود الوطنية”.
رابعًا: النتائج الإستراتيجية
النتائج حسب المجالات:
القيادة: إعادة انتخاب أوناي سوردو
الإضراب: تأسيس صندوق دعم للإضرابات
التنظيم: إصلاح التمثيل الداخلي وآليات التصويت
الأجور: تعزيز الحوار حول الأجور الحقيقية والتضخم
السكن: إدماج الحق في السكن ضمن النضال العمالي
الرقمنة: إعداد عقد اجتماعي للذكاء الاصطناعي والعمل
التضامن الدولي: توسيع شبكة العلاقات مع النقابات العالمية
- ندوة دولية بموضوع الحق بالإضراب
وبخصوص موضوع التضامن الدولي والحق بالإضراب عقدت ندوة دولية بإشتراك الوفود النقابية لمشاركة في المؤتمر موضوعها "استعدادات الحركة النقابية العالمية للترافع حول حق الإضراب أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي"، شاركت فيها د.هند بن عمار السكرتير التنفيذي للاتحاد العربي للنقابات التي شددت في كلمتها قائلة:"نعتقد أن الحركة النقابية العالمية حققت إنتصاراً أولياً بتحويل مسألة الحسم في تفسير إتفاقية العمل الدولية رقم 87 إلى محكمة العدل الدولية وإنهاء لغط دام لسنوات طويلة، فقد تسبب هذا اللغط في تداعيات على حرية ممارسة الإضراب في كثير من البلدان، وعلينا الانتباه أن تحويل المسألة إلى أنظار محكمة العدل الدولية لم يكن حصريا على مجموعة ممثلي العمال بمنظمة العمل الدولية فهناك 36 حكومة طالبت بنفس الشيء، وهو ما يترجم وجود إشكال حقيقي يستوجب الحسم في أقرب الآجال". وأضافت بخصوص موضوع حق الإضراب في الوطن العربي قائلة :”وحول ممارسة حق الإضراب في المنطقة العربية قالت "منطقتنا تستقر منذ سنوات ضمن أسوء تصنيفات مؤشر الاتحاد الدولي للنقابات للحقوق والحريات النقابية، حيث تواجه الممارسة النقابية إلى أشكال عدة من التضييق خاصة في جانبها التشريعي، لكن هذا المؤشر لا يوحي فقط بالجانب السلبي، بل أيضا بجانب إيجابي يتمثل في إصرار نقابي عربي ونضال منقطع النظير من أجل الدفاع عن الحقوق الأساسية للعمال وعلى رأسها حق التنظيم وحق الإضراب، في المغرب، في العراق، في تونس، في لبنان، في ليبيا، في مصر يخوض النقابيون نضالات من اجل هذه الحقوق ونحتاج جميعا للتضامن مع كل النقابات في العالم التي تناضل من أجل هذه الحقوق، فمعركة فرض حق الاضراب وحق التنظيم معركة كونية لا يمكن تنسيبيها او تجزئتها".
خاتمة
كما يتضح لنا من قرارات المؤتمر، لم يكن المؤتمر مجرد مناسبة خطابية، بل لحظة لإعادة تعريف النقابة كفاعل اجتماعي يربط بين النضال الوطني والتضامن الدولي.
إن إدماج البعد الدولي، وتوسيع دوائر التأثير في السياسة العامة، ووضع أطر جديدة لحماية الحق في الإضراب، كل ذلك يجعل من مؤتمر "اللجان العمالية الاسبانية" (CCOO) الثالث عشر خطوة مفصلية في تحديث الحركة النقابية الإسبانية محلياً، وتأثير في عدة مجالات على مستوى التضامن النقابي العالمي ، الذي تحتاج له الحركة النقابية العالمية اليوم خاصة، في ظل الهجوم الراسمالي عليها من قبل أصحاب المليارات والحكومات التي تمثل مصالحهم الهادفة إلى إستغلال الطبقة العاملة ، وتقويض كل ما يتعلق بالتنظيم النقابي وإنجازاته على مر العصور.
أما على المستوى الإسباني المحلي،تبقى التحديات أمام التنفيذ كثيرة، لكن النقابة اليوم أكثر استعدادًا لمواجهتها، مسلحة بخبرة تنظيمية، وتحالفات اجتماعية عابرة للحدود، وإرادة حقيقية لتجديد أدواتها النضالية في زمن التحول.