انعكاسات المواجهة الاسرائيليه-الايرانيه على واقع الطبقه العاملة الفلسطينيه
ليث الجادر
2025 / 6 / 17 - 14:51
في خضم التصعيد العسكري المتسارع بين إيران وإسرائيل، تُزاح الستارة عن واقع هشّ يتجاوز الحسابات الجيوسياسية، ليطال تفاصيل الحياة اليومية لفئات مسحوقة لا صوت لها ولا درع يقيها: العمال الفلسطينيون. فبينما تتبادل القوى الإقليمية الرسائل النارية، يدفع هؤلاء العمال ثمنًا مباشرًا لصراع لم يختاروه، لكنه بات يتحكم بمصير أرزاقهم ومستقبل أسرهم.
أولًا: الانكماش الاقتصادي وتقلص فرص العمل
تعتمد قطاعات حيوية في الداخل الإسرائيلي كالبناء والزراعة والخدمات على عمالة فلسطينية رخيصة ومرنة. ومع كل تصعيد أمني، ولا سيما حين يأخذ طابعًا إقليميًا كالمواجهة الحالية مع إيران، تُصاب هذه القطاعات بالانكماش المؤقت، ويُعاد ترتيب الأولويات الأمنية والاقتصادية، ما ينعكس مباشرة على العمال الفلسطينيين.
- تُسارع السلطات الإسرائيلية إلى تعليق تصاريح العمل أو تقليص أعداد المسموح لهم بالدخول، كجزء من ما تسميه “الضرورات الأمنية”.
- يرافق ذلك تشديد على الحواجز، وتضييق في شروط التفتيش، وإيقاف عشوائي يطال مئات العمال يوميًا.
ثانيًا: تصاعد الخطاب الأمني والإقصائي
يشهد الداخل الإسرائيلي مع كل تصعيد عسكري تصاعدًا في الخطاب العنصري واليميني، الذي لا يتورع عن تحميل الفلسطينيين – حتى أولئك الذين يكسبون رزقهم بعرقهم في السوق الإسرائيلي – مسؤولية أمنية أو رمزية.
- يتعرض العمال الفلسطينيون لحملات تحريض إعلامي وشعبي، ولحوادث طرد واعتداء في أماكن العمل.
- كما يُتهمون أحيانًا بأنهم “طابور خامس”، ما يهدد أمنهم الوظيفي والشخصي في آن معًا.
ثالثًا: ازدياد البطالة وعودة الفقر
أدى توقف آلاف العمال الغزيين عن العمل داخل إسرائيل بفعل الحرب الجارية إلى كارثة اقتصادية صامتة، فهؤلاء يشكلون شريانًا ماليًا حيويًا لعائلاتهم، ولا وجود لبنية اقتصادية بديلة داخل غزة أو الضفة تسد هذا الفراغ.
- النتيجة هي تصاعد معدلات الفقر والبطالة، وانخفاض حاد في القدرة الشرائية.
- كما أدى هذا التوقف القسري إلى تفكيك شبكات التضامن الاقتصادي داخل الأسر، لا سيما تلك التي كانت تعتمد على تحويلات أقاربها العاملين في الداخل.
رابعًا: هشاشة الأمان الاجتماعي والنفسي
العامل الفلسطيني، المحاصر بين احتياجاته اليومية ومناخات القمع، يعيش حالة من اللايقين الوجودي. فمصيره مرهون كل يوم بمزاج السياسة ومجرى الأحداث الكبرى.
- يعيش العمال في ظل ضغط نفسي دائم، وشعور بالنبذ والعزلة، خصوصًا مع انعدام التمثيل النقابي الحقيقي الذي يدافع عنهم.
- يتفاقم هذا الشعور في ظل الصمت الدولي، والبرود الفلسطيني الرسمي تجاه معاناتهم.
خامسًا: تسييس ملف العمالة كورقة ضغط فعلي
منذ اللحظات الأولى للحرب على غزة، استخدمت إسرائيل ملف العمالة الفلسطينية كورقة ضغط حقيقية ضد السكان والقيادة الفلسطينية. لم يكن ذلك مجرد تهديد، بل ممارسة واقعية تجسدت في:
- تعليق آلاف التصاريح الممنوحة للعمال الغزيين والضفاويين، دون إشعار مسبق.
- احتجاز عشرات العمال الذين تواجدوا داخل إسرائيل عند اندلاع الحرب، ما حولهم إلى رهائن بلا حماية.
- تصريحات سياسية إسرائيلية واضحة تُلمّح إلى استبدال العمال الفلسطينيين بعمالة أجنبية، كجزء من استراتيجية “فك الارتباط الاقتصادي”.
خاتمة: ضحايا بلا سلاح ولا قرار
العمال الفلسطينيون ليسوا مجرد رقم في معادلة القوى الإقليمية، بل أرواح واقعية تعيش على الحافة، وتدفع ضريبة مزدوجة: ضريبة الاحتلال، وضريبة الصراع الإقليمي الذي يُدار من فوق رؤوسهم.
كل مواجهة كبرى تندلع في الإقليم تعني لهم شيئًا واحدًا: الخسارة. لا يربحون شيئًا من صواريخ المقاومة، ولا يُحمون من قنابل الردع. هم ببساطة وقود الصراع غير المرئي، الذين يُنسون في خطابات الأطراف جميعها، رغم أنهم يعملون ليلًا ونهارًا على بناء ما يهدمه الكبار.