هل يتجرّع خامنئي كأس السم كما تجرّعه الخميني؟
ليث الجادر
2025 / 6 / 17 - 00:40
في لحظة فارقة من عمر الجمهورية الإسلامية، تبدو إيران اليوم واقعة تحت ضغط عسكري هو الأعنف منذ تأسيس نظامها في عام 1979. فالمواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل تجاوزت كونها اشتباكًا بالوكالة، لتصبح صدامًا مفتوحًا بين قوتين إقليميتين، إحداهما تمتلك السيطرة الجوية والتكنولوجية، والأخرى تدافع بما تبقى من بنى الردع وشعارات السيادة.
بدأت إسرائيل في 13 يونيو ما أسمته "عملية الأسد الصاعد"، حيث شنّت قواتها الجوية غارات غير مسبوقة استهدفت أكثر من مئة موقع عسكري وأمني داخل العمق الإيراني، شملت منشآت نووية رئيسية في نطنز وأصفهان، ومقارًا لقيادات الحرس الثوري، أبرزها مراكز تابعة لأمير علي حاجي زاده وحسين سلامي. وقد استُخدمت في العملية أكثر من 330 ذخيرة موجّهة من قبل 200 طائرة حربية، في هجوم وصفه محللون عسكريون بأنه "الأوسع منذ ضربة أوسيراك في العراق عام 1981".
الرد الإيراني جاء تحت عنوان "الوعد الصادق 3"، عبر إطلاق أكثر من 350 صاروخًا وأعداد ضخمة من الطائرات المسيّرة، سواء من الأراضي الإيرانية أو عبر جبهات الوكلاء في اليمن ولبنان والعراق. استهدفت هذه الضربات عدة مدن إسرائيلية، بينها تل أبيب وحيفا، إلا أن منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تصدت لنحو 80–90٪ من الهجمات، ما قلّل من فاعليتها العسكرية، رغم الخسائر البشرية التي وقعت في الجانب الإسرائيلي.
لكن الأيام التالية كشفت عن تحول نوعي في تكتيك إسرائيل، إذ اتجهت إلى استهداف الرموز: ضربت مبنى التلفزيون الإيراني أثناء البث، وقصفت مستشفى في كرمنشاه، ودمرت منشآت دفاع جوي داخل طهران، في رسالة تقول إن يدها قادرة على الوصول إلى قلب النظام، حتى في أشد نقاطه حصانة. بالمقابل، عجزت إيران عن منع هذه الاختراقات، واضطرت إلى إعلان مقتل عدد من كبار قادتها العسكريين في بيانات متأخرة، وسط تصاعد حالة الذعر داخل المدن الكبرى، حيث فرّ أكثر من 100 ألف شخص من طهران نحو الشمال.
مفاصل القوة العسكرية الإيرانية تلقت ضربة بنيوية حادة. فالبنية الصاروخية التي شكلت ركيزة استراتيجية للردع، تهاوت أمام الاستهداف الجوي الكاسح، في وقت لم يتمكن فيه النظام من حماية قياداته العسكرية، أو حتى منشآته النووية الحساسة. أما المشروع النووي نفسه، فقد انكشفت هشاشته، لا فقط بسبب الأضرار التي لحقت بمراكزه، بل لأن الضربات كشفت مستوى التغلغل الأمني الإسرائيلي، وفشل منظومة الدفاع الإيرانية في حماية أعصاب مشروعها السيادي.
هذا كله يعيد إلى الأذهان لحظة تاريخية مفصلية: عندما أعلن الخميني في نهاية الحرب العراقية–الإيرانية عام 1988 قراره بقبول وقف إطلاق النار، واصفًا إياه بتجرّع "كأس السم". آنذاك، اتخذ النظام القرار الصعب تحت ضغط عسكري واقتصادي خانق. واليوم، تتكرر الضغوط ولكن بصورة أعنف وأوضح، ليس من جهة عراقية محدودة، بل من قوة نووية إقليمية فائقة التنظيم والتخطيط. والسؤال هنا: هل سيتجرّع خامنئي كأس السم كما فعل سلفه؟
الجواب ليس بسيطًا. خامنئي لن يعلن الهزيمة. بل الأرجح أنه سيحاول دفع مؤسسات الدولة –كالمجلس الأعلى للأمن القومي أو القيادة العامة للقوات المسلحة– إلى إعلان تهدئة أو تراجع تكتيكي مغلّف بلغة السيادة والمصلحة الوطنية، بحيث لا يُقال إنه خضع للعدو أو فقد شرعيته الثورية. فالنظام الإيراني، وإن بدا متمسكًا بخطابه القتالي، إلا أنه يدرك أن استمراره في هذه المواجهة المكشوفة لن يُفضي إلا إلى انهيار تدريجي لمنظومته الدفاعية والرمزية.
ما يجري اليوم لا يختلف جوهريًا عن "كأس السم"، لكنه يُدار بلغة جديدة، تُمزج فيها الخسارة العسكرية بالضبط الدعائي، وتُسوق فيها التهدئة كحكمة لا كهزيمة. ومع ذلك، فإن نكهة الكأس المُرّة ما تزال ذاتها