المفارقة المحزنة: حين يُطلب منك باسم العروبة أن تؤيد إسرائيل!
منذر علي
2025 / 6 / 16 - 17:28
لو كانت المعركة الدائرة اليوم هي صراعًا بين إيران من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى، لكان من الممكن، على نحو مبدئي، أن يُعاد النظر في كثير من الحسابات.
لا لأننا نُبدّل مواقفنا بمقتضى تحالفات اللحظة، بل لأن المعيار الحقيقي في الموقف السياسي لا يُقاس بالهويات القومية أو الدينية، بل بالتموضع الأخلاقي: مع من يقف مع العدالة؟ ومن يدوسها باسم السيادة أو الطائفة أو الربح؟
لو كانت إيران تمارس عدوانًا على بلدين عربيين، وتهدد سيادتهما، وتحاول فرض مشروعها عليهما قسرًا، لكان من المنطقي أن نقف في صف من يُدافع عن أرضه، حتى لو كان هذا الطرف هو الإمارات أو السُّعُودية — على الرغْم من سجلّهما الحافل بالتدخل والهيمنة وحرب الوكالة.
كنا سنؤجل، لا ننسى، جرائم الاحتلال السعودي لجيزان ونجران وعسير، وتآمره المتواصل على الثورة اليمنية منذ 1962، وسنُعلّق مؤقتًا الاحتلال الإماراتي لسقطرى وميون وبلحاف والمكلا، على أمل أن تُستعاد لاحقًا في حسابات تتجاوز اللحظة.
كنا سنُغض الطرف مرحليًا عن فساد "الشرعية" اليمنية، وعن عرّابيها الصغار، من رشاد العليمي إلى عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك، وسنُطالبهم — ولو لمرة أخيرة — أن يستعيدوا ما تبقى من كرامة وطنية، ويُعلنوا النفير لمواجهة التهديد الإيراني.
كنا سنُشارك في تحرير الجزر الإماراتية، ونحمي أبو ظبي من الاجتياح، ونقف بين لرياض والعدوان، ونُدافع عن مكة والمدينة، لا لأننا وُعدنا بثمن، بل لأننا نُؤمن بمبدأ: لا لاحتلال جديد، أيًّا كان مصدره.
لكن المشكلة، كل المشكلة، أن المعركة ليست كذلك.
إنها ليست معركة بين إيران و"عروبة مهدّدة"، بل بين إيران، التي تقف — مهما اختلفنا معها — في صفّ الشعب الفلسطيني، وبين كيان استيطاني استعماري يُمارس الإبادة الجماعية في غزة، ويُعلن صراحة أن هدفه هو محو الهُوِيَّة الفلسطينية، وتهويد الأرض، وتحويل الإنسان العربي إلى لاجئ دائم في وطنه أو خارجه.
المعركة، إذًا، هي بين مشروع مقاومة، ومشروع إبادة. بين طرف يقف — لأسبابه الخاصة أو لقناعات أيديولوجية — مع المظلوم، وطرف يُمثّل رأس الحربة في نظام دُوَليّ يرى في الإنسان العربي فائضًا لا لزوم له.
وحين يُطلب منا أن نؤيد إسرائيل، "المدافعة عن السنة " حسب تعبير المعلق الصهيوني، مائير مصري، لأن خصمها هو إيران الشيعية، فإن السؤال لا يعود سياسيًا، بل أخلاقيًا محضًا:
هل نخون قيمنا من أجل كراهيَة طائفية؟
هل نُصفّي حساباتنا الإقليمية على جثث أطفال غزة؟
هل نُهلل للمحرقة في غزة، لأن إيران لا تعجبنا؟
إنّه لمن العار حقًا، بل من السفالة السياسية أن يُصطف عربي خلف إسرائيل، حتى لو اختلف مع إيران ورفض نهجها الطائفي التوسعي.
ومن الخيانة أن تُستخدم العروبة غطاءً لتحالف مع الصهيونية، وأن تتحول مكة والمدينة إلى أوراق ضغط في خطاب يُبرّر الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ويُسوّغ التطبيع، ويُلبس الخضوع ثوب العقلانية.
أولئك الذين يُشيدون بإسرائيل لأنها تضرب إيران، لا يختلفون عن الذين هللوا لاتفاقية سايكس–بيكو، ظانين أن التقسيم سيجعلهم ملوكًا على خرائط مرسومة في مكاتب الاستعمار.
إنهم لا يرون في الأمة سوى ملعبًا لمصالحهم، ولا في فلسطين سوى عبء يُجب التخلص منه لنيل رضا السيد الأبيض في واشنطن ولندن وباريس.
أما الصهاينة، فهم لا يُفَاجَؤُونَ. لقد تعلّموا من التاريخ أن النخب العربية، حين تُعطى هامشًا من السلطة، تبيع كل شيء — الأرض، والحق، والذاكرة — مقابل البقاء في الصورة، حتى لو كانت صورة مهينة.
الموقف ليس مع إيران أو ضدها.
الموقف هو ضد الإبادة، ضد الاحتلال، ضد الكذب الذي يرتدي عِمَامَة أو عقالًا أو بدلة دبلوماسية.
الموقف هو أن نعرف من نحن، ومن الذي يكتب المشهد، ومن الذي يُطلب منه أن يصفّق في حين يُذبح تاريخه، وتُباع قضاياه.