ندين مؤامرة ضرب إيران ولن ينتصر مشروع الشرق الأوسط الإمبريالي
محمد حسن خليل
2025 / 6 / 13 - 17:56
وجهت إسرائيل بمشاركة من أمريكا ضربة قوية لإيران استهدفت إجهاض مشروعها النووي، بضرب مفاعل ناتانز وقواعد الصواريخ، واغتيال عدد من علمائها البارزين في المجال، في مؤامرة متكاملة بواسطة 200 طائرة تشمل F35 (الشبح) وF 16 & F 18، وطائرات مسيرة من داخل أيران، وقوات كوماندوز إسرائيليين. هذا بالطبع مستحيل دون الإسناد الأمريكي المخابراتي، وبطائرات التزود بالوقود في الجو، والتعهد بالحماية من الضربة المضادة الإيرانية المتوقعة، ولكنه تقسيم الأدوار المتوقع بين أمريكا وإسرائيل وفق مثال "الشرطي الجيد والشرطي السيئ"، ربما يعفي أمريكا من ضرب جنودها وقواعدها المجاورة لإيران في الخليج أو إغلاق مضيق هرمز. ونحن ندين هذا العدوان، لا باعتباره عدوانا على دولة ذات سيادة فحسب، ولكن للسياق الذي يأتي فيه، سياق خلق شرق أوسط جديد أمريكي الطابع والقيادة، مع الدور المحوري لإسرائيل في إنجازه والحفاظ عليه.
إن الطموح الإمبريالي في استمرار نهب موارد المنطقة الغنية بالبترول والغاز وغيره، وفي السيطرة على منطقة تعد سرة العالم ومسار طرق التجارة العالمية، هو ما يدعوها إلى تحقيق تلك الهيمنة، والاستمرار في خلق شرق أوسط جديد، استعماري، لا يعرف قوى مناوئة للاستعمار ولا طامحة للاستقلال والتحرر السياسي، وتنمية وبناء بلدها من خلال السيطرة على مواردها وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كان هذا هو السبب في تصدي أمريكا للنظام الناصري وحركة القومية العربية في عام 1967، حتى تحقق إخضاع المنطقة بدءا من عام 1974 بالاستسلام الساداتي الشهير وقبوله "السلام" الأمريكي الإسرائيلي القائم على الخضوع والسماح بالنهب الاستعماري الذي قاد للإفقار وبيع الأراضي والجزر والأصول الصناعية والخدمية المصرية.
قبيل وبعد خروج مصر من مجال العداء للاستعمار صعدت حركات شعبية مقاومة في القضية الفلسطينية من مختلف الاتجاهات. وبعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982 وضعف الاتجاه القومي، اتخذت عدد من القوى الاتجاه الإسلامي، وهي قوى متمايزة عن الإسلام السياسي التقليدي المتمثل في الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية التي توالي الاستعمار في كل العهود. تلك القوى شملت حزب الله وحماس والجهاد وغيرها. في نفس الوقت نجحت الثورة القومية الإيرانية المقاومة للاستعمار وذات الاتجاه الإسلامي، نجحت فيما لم تنجح فيه أي قوة بترولية ريعية في المنطقة والعالم، وهو تحويل ريع البترول إلى تقدم زراعي وصناعي وتكنولوجي مبهر، وأعلى درجات الاكتفاء الذاتي، لهذا تصدى لها الاستعمار بشدة؛ فكان طبيعيا أن تبحث عن حلفاء من القوى المعادية للاستعمار لتأييدها خدمة للهدف المشترك معهم. كان من تلك القوى قوى إسلامية شيعية، وإسلامية سنية، وقوى يسارية، والمشترك بينهم هو التصدي للمخططات الإسرائيلية الأمريكية للهيمنة.
لهذا يعود جزء من الفضل في استمرار وانتصارات تلك القوى إلى الدعم الإيراني: ينطبق هذا على تحرير حزب الله للبنان مرتين، عام 2000 وعام 2006، ونجاح العراق من الإفلات من أسوأ ما يراد لها على يد الاحتلال الأمريكي بخروج معظم القوات الأمريكية وإن لم يخرج كل نفوذها. وكذلك الفضل في نجاحات كل فصائل المقاومة الفلسطينية السنية واليسارية المتحالفة في الاستمرارية في المقاومة داخل فلسطين المحتلة والتصدي لمؤامرات التهجير، ورفع راية النضال، ودعم صمود الشعب الفلسطيني بالداخل في مواجهة مختلف مخططات الإخضاع والتهجير. إنجاز بارز في هذا الطريق كان هجوم السابع من أكتوبر الذي أشعل القضية في ظل محاولات طمسها والتآكل التدريجي لها من أجل تنفيذ خطط تحقيق "يهودية الدولة" وتهجير الفلسطينيين واستكمال التطبيع وإخضاع المنطقة.
بالطبع ليس هذا تقييما كاملا لكل سلوك إيراني ففيه ما نختلف معه، لكن لا شك في الوجه المعادي للاستعمار، ولا شك في الوجه التنموي، للتجربة الإيرانية، وتحقيق أعلى مستوى من التنمية البشرية في المنطقة، أي أفضل نظام صحي وتعليمي. ولهذه الأسباب أصبحت مستهدفة بالمؤامرات الاستعمارية، مهما ادَّعت القوى الاستعمارية أن السبب هو "طبيعتها الاستبدادية" أو "دعمها للإرهاب في المنطقة عبر أذرعها" فليس لإيران أذرع وإنما دعم منظمات مقاومة تنبعث مقاومتها من قسوة الاضطهاد الاستعماري، ويجمعها معهم وحدة الهدف، فهذا هو الوجه الرئيسي، رغم وجود أوجه أخرى بالطبع.
لهذا نرى في الهجمة الأخيرة مؤامرة تم الإعداد لها على مدى أكثر من عقد، بعد فشل الكثير من المحاولات مثل احتلال لبنان أو محاولة القضاء على حزب الله في معركة 2006 أو محاولات إخضاع الشعب الفلسطيني البطل الذي قام بانتفاضات 1987 و2000، واستمر بالتمسك بأرضه، وبالمقاومة بكل الوسائل الممكنة. كانت تفاصيل المؤامرات معدة، ولم يكن هجوم السابع من أكتوبر 2023 سوى مناسبة لتفجير ذلك المخطط بعد أن كان مستمرا بمعدلات منخفضة، فأخرجت القوى الاستعمارية كل الأسلحة التي تعد على هذا المدى الطويل، حيث حقق نجاحات في تحجيم حزب الله واغتيال قيادات صف أول وكادر وسيط، ونجح في إسقاط نظام الأسد الممانع ولكن الديكتاتوري، ليأتي بنظام عميل، غير التهديدات المتواصلة بتحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، وهي بالفعل تصل إلى حدوده، ليس في غزة وحدها، ولكن في الضفة الغربية أيضا.
آخر حلقة في هذا المخطط هي ضرب إيران اليوم في 13 يونيو 2025 بإخراج كل نتائج التخطيط الاستخباري، والعسكري الإسرائيلي الأمريكي، في محاولة لتحطيم كل محور مقاومة الاستعمار في المنطقة، وهم يرون في إيران رأسه التي يجب تحطيمها. ولكن هيهات! المقاومة مستمرة، مقاومة إيران الدولة التي لم تتحطم ولم تفقد إرادة القتال ولا وسائله حتى لو أضعفتها الهجمات. إيران مرتبطة بمعاهدات استراتيجية مع كل من الصين وروسيا. كما لن يمكن استئصال المقاومة العربية في مختلف الأماكن، بالذات في فلسطين واليمن والعراق، والدعم الجماهيري للمقاومة في كل البلاد العربية الساخطة على حكامها الخانعين، وفي كل جماهير العالم الحرة، وهو ما نراه في سفينة الحرية وقافلة الصمود القادمة من المغرب العربي ودول عربية وأوروبية أخرى. المجد للمقاومة، والهزيمة في النهاية هي ما ينتظر المعسكر الاستعماري مهما حقق من نجاحات تكتيكية، لأن شعلة الحرية لا تخبو أبدا طالما استمر العدوان والقهر الاستعماريين!