الاعزاء مواطني غزة, إذا لم يوجد طحين، فكلوا الدم والأكاذيب


جدعون ليفي
2025 / 6 / 9 - 06:23     

الافتراء الدموي الرهيب، الذي يتضمن الدم والطحين والأكاذيب، نُقش إلى الأبد في ذاكرة الشعب اليهودي. أما الآن، فقد انقلبت الرواية إلى دم، وطحين، وأكاذيب إسرائيلية.
يمكن رؤية الدم والطحين في صورة التُقطت في غزة ونُشرت نهاية هذا الأسبوع تُظهر جثة مشوهة مغطاة بالطحين المختلط بالدم ليشكل عجينة وردية اللون مروّعة. وجه القتيل مغطى بسترة ممزقة؛ كان أحد العشرات الذين قُتلوا في مركز توزيع الطعام في غزة، الذي حوّلته قوات الجيش الإسرائيلي إلى منطقة موت أخرى.
الكذبة الكبرى
أما الأكاذيب حول الدم والطحين، فقد وزعها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وأتباعه من الصحفيين العسكريين المطيعين – وهم معظم مراسلي الشؤون العسكرية في إسرائيل. تحقيق أجرته صحيفة هآرتس، استند إلى لقطات فيديو وشهادات شهود وتغيرات في رواية الجيش، أثبت أن الجيش الإسرائيلي مسؤول عن إطلاق النار وقتل العشرات. وتول تحقيق شبكة CNN الى نفس النتيجة، مما دحض تلك الأكاذيب واحدة تلو الأخرى. ما تبقى أمامنا إذًا هو: دم، وطحين، وأكاذيب. ولا يمكننا السكوت عنها.
في يوم الأحد الماضي، قُتل عشرات الأشخاص بالرصاص أثناء وقوفهم في طابور للحصول على الطعام. المتحدث باسم الجيش قال إن "الحادث المميت ببساطة لم يحدث!" سواء حدث أم لا، فقد قُتل ما لا يقل عن 35 شخصًا وأُصيب 170 آخرون في طابور يائس.
وفي الصباح حاول الجيش الإسرائيلي الزعم أن قواته لم تطلق النار على المدنيين بالقرب من موقع المساعدات أو داخله، لكنه اعترف بحلول المساء بأن الجنود أطلقوا "طلقات تحذيرية" على بعد نحو كيلومتر من مركز المساعدات، وأضاف أن "لا علاقة لذلك بالوفيات في المنطقة".
الإهانة للعقل
تحوّلت الأكاذيب إلى إهانة للعقل. فالمكان الذي قُتل فيه الناس كان ضمن ما تم تعريفه كمحيط للمجمع. حتى المؤسسة التي تدير المركز انضمت إلى التغطية على الحقيقة، قائلة: "هذه التقارير المزيفة تُروّج لها حركة حماس".
أي شخص تابع أحداث غزة بنية حسنة، كان يعلم منذ البداية أن الجنود هم من ذبحوا المدنيين الجائعين، ما لم يكونوا قد انتحروا جماعيًا.
منذ مقتل الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية عام 2022، ومرورًا بمقتل 15 مسعفًا في رفح في مارس، ووصولًا إلى هذه المجزرة، بات من الواضح أن تصريحات المتحدث باسم الجيش يجب اعتبارها كاذبة حتى تثبت العكس. وهذا نادر جدًا.
عندما يتعلق الأمر بجرائم الحرب، فإن احتمال سماع كلمة صدق من الجيش الإسرائيلي، وخصوصًا في الساعات الأولى بعد وقوع الحدث – حينما يكون الوقت مثاليًا لنشر الأكاذيب – هو احتمال ضئيل، إن لم يكن معدومًا. إسرائيل ووسائل إعلامها لا تنزعج من ذلك كثيرا؛ فالجميع يفضّل العيش ضمن كذبة مريحة ومُدمِنة حول "أخلاقية الجيش".
التحقيق الذي فضح كل شيء
لكن هذه المرة لم تنجح الكذبة. فقد كان تحقيق جيريمي دايموند وزملائه صفعة قوية لأكاذيب الجيش والإعلام الإسرائيلي. نير دڤوري – اسم إسرائيلي نمطي لصحفي نمطي – كان الاحرى بك ان تذهب وتتعلم أساسيات الصحافة من دايموند. احضر على الأقل درسًا تمهيديًا لتبدأ بفهم دورك كصحفي.
حتى إيلانا ديان يمكنها أن تتعلم فصلًا من دايموند عن الصحافة الاستقصائية: فهي لا تتعلق فقط باستدرار العواطف الوطنية والعسكرية من الجمهور، خصوصًا في زمن الحرب. ولم يُعرض أي تحقيق مشابه لتحقيق CNN على التلفزيون الإسرائيلي.
قدّم دايموند 17 شهادة عيان، وتحليلًا باليستيًا للذخيرة التي وُجدت في أجساد القتلى، وتحليلًا لأصوات إطلاق النار – وكلها أثبتت أن مصدر النيران كان رشاشات آلية لا يمتلكها إلا الجيش الإسرائيلي. شهود عيان قالوا إنهم تعرضوا لإطلاق نار من دبابات، ومروحيات، وطائرات بدون طيار، ومن البحر. حتى أكثر خيال "مشرقي" تطرفًا لا يمكنه أن ينسب هذه المجزرة إلى أحد غير الجيش الإسرائيلي. لكن الجيش تجاهل الضجيج المتصاعد في الخلفية، والذي لا يُسمع إلا في الخارج، واستمر في ذبح الجائعين.
الموت من أجل الطحين
أمين خليفة، الذي زحف يوم الأحد فوق الرمال مرعوبًا من إطلاق النار، قال لشبكة CNN: "نحن نحمل طعامنا مغمورًا بالدم، نموت لنحصل على الطعام"، قُتل يوم الثلاثاء، أي بعد يومين فقط. كان في الثلاثين من عمره، وجائعًا حين مات. هذه المرة، اخترع الجيش كذبة جديدة: "الجنود شعروا بأنهم مهددون". وتم تعليق توزيع الطعام، الذي تحوّل إلى توزيع للدم، لبضعة أيام.

إذا لم يكن هناك طحين، فكلوا الدم يا أهل غزة – دمًا، وطحينًا، وأكاذيب.