الدور الوظيفي للديمقراطيين العرب


مازن كم الماز
2025 / 6 / 8 - 04:52     

ليس من السهل الاتفاق على تعريف واحد ، شامل و وافي لبدعة زماننا الحالي ، أي الديمقراطية … إذا استثنينا اليمين القومي و الديني و جزر يسارية متراجعة باضطراد تبدو الديمقراطية الفكرة التي يتحدث عنها الجميع بكل جدية … تاريخيًا لم تكن الديمقراطية قبل انهيار الاتحاد السوفياتي ذات شعبية جدية لا جماهيريًا و لا ضمن النخب ، هذا الانهيار و التقدم الهائل لمراكز النظام الرأسمالي العالمي هو المسؤول عن ذلك الصعود الذي أدى تقريبًا إلى تبني جماعي لفكرة الديمقراطية من قبل النخب العربية ، بلمسة عربية واضحة سنأتي على ذكرها … لكن هذا "الصعود" لم يكن بالضرورة تقدمًا حقيقيًا بالنسبة للديمقراطية في وعينا و عالمنا ، بل كلما زاد الاحتفاء العلني بها كلما تراجعت أكثر في الممارسة و حتى في النقاش العام ، لا يمكن مقارنة هذه الجمهرة التي تدعي أنها ديمقراطية اليوم بالقلة من المؤمنين بها في الثلاثينات و الأربعينات حتى الخمسينات من القرن الماضي ، مثل أحمد لطفي السيد و طه حسين و لا حتى بالليبراليين الأوائل مثل مدحت باشا و خير الدين التونسي و محمد عبده ، لقد كان هؤلاء مفكرون حقيقيون و أصحاب مشاريع جدية و كان تبنيهم للديموقراطية نتيجة خيار جدي بين خيارات عدة منها الإسلامي و الماركسي و ليس مجرد رضوخ لأمر واقع و وجهوا نقدًا صارمًا لكل ما اعتبروه عقبة في طريق الديمقراطية … يكفي أن نذكر معركة طه حسين مع الأزهر حول كتابه في الشعر الجاهلي ، و أن نذكر رفض أحمد لطفي السيد عرض الضباط الأحرار لتوليه رئاسة مصر بينما سعى خصمه سيد قطب لما هو أقل منها جاهدًا كل ما بوسعه ليس فقط لهذا الغرض ، تولي وزارة المعارف ، بل لتبرير جرائم نظام يوليو المبكرة حتى وقوع الطلاق بين الطرفين … إذا استثنينا بعض الصحافيين و الانفلوينسرز لن نجد من يكرر اليوم نقد طه حسين للمقاربة الشائعة للنص المقدس ، و هم في الغالب صحافيين محميين غربيًا … في الحقيقة يمكن ببساطة اكتشاف أن هذه الجمهرة من الديمقراطيين العرب لا ترغب فعلًا في تحقق الديمقراطية ، ، إنها بالنسبة لها ليست أكثر من شعار ، مثل أعلى ، جميل لكنه بعيد و مؤجل ، غير حقيقي ، طوباوي ……… الاستخدام الشائع اليوم لشعار الديمقراطية هو لتبرير ما لا يمكن تبريره ، لتبرير الجهل و التخلف ، لتبرير رفض العلم و رفض و تحريم التفكير و إلغاء العقل و تجريم و تحريم الفكر النقدي و العلمي معًا ، كل ذلك بحجة الديمقراطية ، بدون الديمقراطية سيكون على أصحاب كل طرح أن يثبتوا فكرتهم و يبرهنوا عليها ، بينما يحميهم شعار الديمقراطية من هذا كله … الاستخدام الشائع لشعار الديمقراطية يهدف باختصار لتبرير لا ديمقراطية سلطويين أو حتى ديكتاتوريين أو فاشيين في كثير من الأحيان كالإسلاميين مثلًا و تحديدًا مع تمتعهم بكل الامتيازات التي تمنحهم إياها الديمقراطية بدون أن يضطروا للإيمان بها أو يقبلوا بها أو أن يقبلوا بمنح أيًا من تلك الامتيازات لخصومهم … يمكن تخيل النقاش التالي : عندما يقول إسلامي نصف فاشي للغرب و لخصومه في مجتمعه و لمواطنيه الذين يرفضون الخضوع له : أنا لست ديمقراطيًا لكنكم ديمقراطيون و عليكم أن تقبلوا بلا ديمقراطيتي و بفاشيتي لأنكم ديمقراطيون فيرد ديمقراطي عربي مؤكدًا : معه حق هذه هي الديمقراطية …… القصة أنه لا وجود في مخيلة معظم الديمقراطيين العرب لعالم و مجتمعات تقوم على المشاركة و المساواة و الحرية للجميع ، يتحدثون عن المساواة و المشاركة و الحرية عندما ينتمي المستبد أو المحتل لجماعة أخرى فسيطرة الآخر استبداد أو استعمار أما استبداد و استعمار "جماعتنا" بكل جرائمها و موبقاتها و تفاهتها فهي ما يجب على الآخرين ابتلاعه بحجة الديمقراطية … تهافت الديمقراطيين العرب هذا يعبر عن أزمة عميقة ، عن وصولنا إلى طريق مسدود … لا بديل اليوم إلا الهجرة إلى الغرب و البكاء على الأطلال و الشكوى من احتقار الغربيين لجهلنا و تخلفنا أو انتظار أن يدمر الإسلاميون و رفاقهم مجتمعاتنا و حياتنا بالكامل لنبدأ البحث من جديد عن مخرج ، تمامًا من نقطة الصفر ، من حيث بدأ رفاعة الطهطاوي و أوائل شيوخ الخوارج و القدرية و المعتزلة و الكلام العرب