المرأة التي تكتب من حبر الرحيل والنار: في حب ووجع مريم نجمه الفلسطينية السورية


رانية مرجية
2025 / 6 / 2 - 20:31     

أتابع الكاتبة والشاعرة مريم نجمه الفلسطينية السورية منذ عام 2006 عبر موقع "الحوار المتمدن". وطوال هذه السنوات، لم تخفت نبرتها، ولم تهادن لغتها، ولم تخن انتماءها.
هي ابنة الشتات والهوية المركّبة، من سوريا وفلسطين معًا، منفى داخل منفى، تحوّلت فيه الكلمة إلى وطن، والنص إلى خيمة تستر الروح، وتجمع أحباءها الغائبين والغارِقين في الذاكرة.

في هذا المقال، أعود إلى اثنين من نصوصها اللذين، رغم بساطة ظاهرهما، يحملان كمًّا هائلًا من الشجن والجمال والكرامة. في كليهما، لا تصرخ مريم نجمه، بل تهمس... والهمس عندها أقوى من العويل.

أولًا: "من يوميات الغياب: بخط يده... خاطرة؟"
نحن هنا أمام لحظة نادرة من العشق الذي لم يُفسده الزمن.
الورقة التي عثرت عليها مريم نجمه، بخطّ يد زوجها الراحل المناضل جريس الهامس، ليست مجرد أثر شخصي... إنها قصيدة تُكتب من الضفة الأخرى للحياة.
هي وجدتها بالصدفة، لكنه كان قد كتبها ليُوجد بها ما لم يُقل في زمن الحب والحرب معًا.

"يا نجمتي البعيدة في لبنان
يا نجمتي الوحيدة
لعينيك شوقي...
منكِ الحياة"

بهذه الكلمات التي كتبها المناضل العاشق، نقرأ تاريخًا شخصيًا يعانق تاريخ أمة.
لبنان، المنفى الأول، يتقاطع فيه حبّ المرأة مع حبّ القضية.
وفي صمت مريم عند قراءتها لهذا الخطّ، صدى لعناق لا ينتهي، ورسالة تقول: هناك من أحبّكِ كما تحبّ الأوطانُ مناضليها.

ثانيًا: "لكل محبة وعلاقة مشاعر خاصة"
في هذا النص التأملي، تقف مريم نجمه على أطلال العلاقات الإنسانية، تفتح دفاترها القديمة وتعيد ترتيب درجات المحبة.
لا تفاضل بين حب وحب، لكنها تضع الأمومة على قمة الهرم الوجودي:

"أعظم وأقوى محبة من كل هذه الدوائر هي محبة الأم لأبنائها، فلذات كبدها."

ليست مريم هنا أماً فقط، بل كاتبة تدرك بأن محبة الأم ليست علاقة فردية، بل عمود أساسي من أعمدة الحياة، وخصوصًا في حياة الشعوب التي اعتادت أن تدفن أبناءها بيدين دامعتين.

مريم نجمه... شاهدة على الغياب العربي
عندما تكتب مريم نجمه، لا تكتب عن حبٍّ فردي، ولا عن أمومة داخل بيت صغير، بل تكتب نيابة عن أمة شُرّدت، ونساء نُفين، وأحبة غابوا في سجلات الموت أو الهجرة.
هي فلسطينية سورية، ما بين بيروت ودمشق والقدس، ما بين الشعر والمنفى والحنين، وما بين الصمت والإصرار على أن تبقى الكلمة هي السلاح الأجمل.

في نصوصها، تكون الكلمات أنثى لا تُكسر، ومقاتلة لا تتراجع، وعاشقة لا تكلّ.
نصوصها هي وثائق حيّة عن زمن الشهداء، وزمن الحبّ الشجاع، وزمن الكتابة التي لا تُساوم.

خاتمة: شهادة امرأة لامرأة
أكتب عن مريم نجمه الفلسطينية السورية، لا كناقدة بل كأنثى تعرف تمامًا ما معنى أن تنتمي إلى أرض لا تعترف بها الخرائط، وأن تُربّي أطفالكِ على الحنين، وتُطعميهم الشعر بدل الخبز أحيانًا.
هي امرأة تجاوزت الحب التقليدي لتجعله مشروعًا ثقافيًا وإنسانيًا...
هي أمٌّ، ورفيقة، ومثقفة عضوية قبل أن تكون شاعرة.

وإن كان هذا الزمن العربي قد نسي مَن كتبوا بجراحهم، فإن مريم نجمه ستظلّ واحدة من القليلات اللواتي كتبن مستقبلًا لا نزال نحتاجه... حُبره الحب، وورقه النضال، وعنوانه الوطن.