تغول المخزن و بلاد السيبة
أحمد زوبدي
2025 / 6 / 2 - 03:55
بلاد السيبة، مصطلح يقابله مصطلح بلاد المخزن. و هما مصطلحان يتعلقان بتصنيف مجالي-سياسي عرفه المغرب قبل قيام الدولة المركزية، وذلك في بداية القرن ال16. بلاد السيبة هي القبائل غير الخاضعة للسلطة المركزية (أو المخزن) و المتمردة على الحكم. بالمقابل هناك بلاد المخزن وهي القبائل الخاضعة للسلطة المركزية ( وليس الدولة المركزية).
تم دمج بلاد السيبة لبلاد المخزن بالعنف وليس العنف المشروع( violence légitime) على حد تعبير عالم الاجتماع ماكس فيبر( Max Weber). تجميع بلاد المخزن وبلاد السيبة سمح بقيام الدولة المركزية( État central). اندماج بلاد السيبة لبلاد المخزن، فتح الباب لما أطلق عليه بتوحيد المغرب الذي يبقى توحيد مبتور بحكم الصراع الذي دار بين الحركة الوطنية، الجناح الوطني الشعبي الثوري والجناح الإصلاحي، من جهة، وبين هاذين الأخيرين والنظام القائم والمتروبول (أي فرنسا). توحيد المغرب المبتور أدى إلى استثناء الكثير من المناطق كسبتة وامليلية والجزر الجعفرية والصحراء الغربية.. وهو موضوع متشعب و غير مرتبط مباشرة بهذه البطاقة.
اليوم في ظل هيمنة اوليغارشيات المخزن الحديث( Le Makhzen moderne)، فقد تغول هذا الأخير بشكل أصبح المغرب يعيش وضع الدولة السائبة (Etat anarchique : la Siba) شبيهة ببلاد السيبة قبل ضم هذه الأخيرة إلى بلاد المخزن.
المخزن الذي ضم بلاد السيبة بشكل مبتور أي مخزنة بلاد السيبة، يعرف اليوم برمتة سيبة عارمة في عقر داره. مما يعني أن المخزن ساب والبلاد سابت معا ! تماثليا، يمكن تصنيف هذا النمط من التدبير بالإقطاع.
المخزن الحديث السائب يتكون من اوليغارشيات متواطئة مع الدولة بحكم مصالحها المشتركة. وهذا يصطلح عليه اليوم في القاموس السياسي المعاصر بدولة داخل دولة ( Un État dans l État).
في هذا الوضع السياسي الشاذ، لقد تبين بالمكشوف، ولا داعي للشك، أن المخزن، أي القصر والاليغارشيات المحيطة به، يتشبت بالدفاع عن مصالحه وليس لديه حد أدنى لإصلاح أوضاع الطبقات الشعبية والفقيرة خصوصا المتضررة من الوضع. المخزن تغول بشكل غير مسبوق، مما يستدعي، و لا ريب في ذلك، قلب الطاولة على هذا المخزن السايب الذي يوظف كل أشكال العنف المباشر وغير المباشر للسطو على ثروات البلاد، كما نرى في غلاء المعيشة بشكل غير مسبوق ونزع الأراضي والممتلكات قصرا بما فيه التزوير وكل أشكال النصب والاحتيال بل أن النظام يصل به الجشع السياسي إلى محاكمة وسجن كل من تجاوز ما يسميه هو أي النظام المغربي الخطوط الحمراء أي المقدسات ( المقدس هو الله سبحانه).
الوضع أصبح لا يطاق وقد عبرت شرائح اجتماعية واسعة عن غضبها الشديد إزاء سياسات التفقير التي يمررها النظام المغربي المستبد. وهذا يفسر بجلاء أن الإنفجار الاجتماعي جاهز وأن الخروج العفوي إلى الشارع و العصيان المدني جاهزان كذلك، بل أن المؤشرات تقول أن مناخ الإنتفاضات العفوية في وجه نظام جوع الشعب، ناضج.
سبب تغول النظام الذي تحميه الامبريالية والصهيونية هو عجز قوى التحرر عن ردعه. عجز القوى إياها ناتج عن تقاعسها. فالنخب بكل أشكالها سواء السياسية أو النقابية أو الثقافية أو غيرها تتفرج على المهازل ولا تحرك ساكنا بل أن الكثير من هذه النخب المزيفة هي متواطئة بشكل مكشوف مع المخزن من خلال استفادتها من الريوع بكل أصنافها، فضلا عن شبه غياب جيل مناضل جريء يحمل مشعل التغيير. الجيل إياه تم استقطاب غالبيته من طرف دكاكين القصر وتحول الى جيل عياشي رغم الفقر المدقع الذي يعيشه.
أعتقد أن البديل هو ازعاج النظام من خلال العمل على تعبئة الشارع لفضح سياسة الضحك على الذقون.
اليسار المغربي ( غير المخزني) ومعه كل قوى التحرر عجزت عجزا فضيعا عن قلب الطاولة على المخزن السايب لأن هذه القوى تفتقد للجرأة السياسية ويغلب عليها طابع المهاذنة محل المواجهة، رغم ما تقوم به محاولات، لكن لم تتمكن اليوم من ردع زيغ المخزن.
وعليه على القوى إياها أن تتحرك للقيام بهذه المهمة النبيلة وإلا أن المغاربة سيعرفون إبادة جماعية..
اليوم، وقبل أي وقت مضى، لا خيار عن بناء سلطة مضادة (contre-pouvoir ) وإلا فإن إبادة الطبقات الشعبية والفقيرة والرثة تبقى مستمرة إلى إشعار آخر. بناء سلطة مضادة ينطلق من القواعد أي تعبئة الطبقات الشعبية محل الفئوية التي يعرفها اليسار المرشح لقيادة التغيير. التعبئة تعني الحضور المستمر وليس الموسمي إلى جانب هذه الطبقات لمعرفة مشاكلها والاضطهاد الذي تعاني منه والقيام بفضحه عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتقديم عرائض للتنديد بكل أشكال الظلم والإهانة ولو كلف ذلك المواجهة مع المخزن السائب أي مع النظام المستبد.