تعليق أولي على الهيئة الإدارية الأخيرة


جيلاني الهمامي
2025 / 5 / 31 - 20:39     

أنهت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل المنعقدة يوم الخميس 29 ماي 2025 بالحمامات أشغالها بالإعلان عن عقد المؤتمر الوطني للاتحاد أيام 25 و26 و27 مارس من العام القادم 2026.

جاء هذا القرار الذي حاز على موافقة الهيئة الإدارية، بعد أن توقفت اشغالها لمدة ساعتين تقريبا عكس ما كان يتوقعه الكثير من المراقبين. فقد فوجئ المتابعون وحتى البعض من أعضائها بتقديم وثيقة ممضاة من قبل كافة أعضاء المكتب التنفيذي تضمنت اتفاقا على موعد المؤتمر القادم الذي لم يتضح بعد ما إذا سيعتبر مؤتمرا استثنائيا أو مؤتمرا عاديا مقدّم الأجل. ويؤكد المتابعون للكواليس أن جلسات "الغرف" التي عقدها الخماسي بأنصاره من جهة و"العشرة" ومن والاهم من جهة ثانية هي التي مكنت المكتب التنفيذي المنقسم على نفسه من التوصل إلى هذه الصيغة الوفاقية ومكنت أيضا الشقين كل فيما يهمه بإقناع "أتباعه" بالموافقة على الموعد المذكور. هذا ما يعني أن مصالحة قد جرت بشكل فوقي وخفي فوضعت حدا للصراعات والجدل الذي ميز أشغال الهيئة الإدارية في اجتماعاتها الأخيرة.

إن الاتفاق على موعد المؤتمر هو في حد ذاته خطوة لطي صفحة الانقسام على الأقل ظاهريا وفي علاقة بنقطة تحولت في المدة الأخيرة إلى "عظم الخلاف" كما يقال la pomme de discorde. ولكن هذا الاتفاق بالطريقة التي حصل بها وبنقاط الغموض التي خَلّفَهَا لا يحمل في طياته ضمانات حقيقية لأمرين اثنين على الأقل. الأول هو أن الانقسام داخل المكتب التنفيذي قد انتهى وولى ودخل طي التاريخ وأمسى "كابوسا للنسيان". والثاني هو أن الاتفاق على موعد المؤتمر هو مقدمة لمعالجة بقية نقاط الأزمة المتشعبة ومتعددة الأبعاد.

طي صفحة الخلاف
إن ما يدعو إلى الشك في جدية "تجاوز الانقسام" في المكتب التنفيذي هو ما تناقله النقابيون بخصوص ما جاء في محاضر جلسات الاتفاق من أن الأعضاء 15 يعترفون أنه ما عاد من الممكن أن يستمروا في العمل كفريق ويعتبرون بالتالي أن هذه الوضعية تملي عليهم التسليم بضرورة التعجيل بالمؤتمر الوطني وتحديد تاريخ انعقاده. وعليه ليس واضحا ما إذا سيعود المكتب التنفيذي للعمل بشكل جماعي أم أن اجتماعاته القادمة ستشهد استمرار كل أعضاء الخماسي أو بعضهم في مقاطعتها. بلغة أخرى مازال من السابق لأوانه الجزم بأن أزمة الاتحاد كما تجلت في المدة الفائتة، أي في شكل انقسام القيادة إلى "خمسة" و"عشرة"، قد انتهت بلا رجعة على الأقل من الآن حتى المؤتمر القادم. ومازال من غير المؤكد أن نفس الانقسام سيتجلى مرة أخرى في علاقة بعديد القضايا والمحطات مثل تركيبة اللجان ومخرجاتها والهيئة الإدارية القادمة وصيغة المؤتمر الخ... ومما لا شك فيه أن كل واحد من طرفي الخلاف سيحاول استثمار "المصالحة" الحاصلة على أنها من منجزاته ليضيفها لحسابه الخاص من أجل تحسين رصيده تحسبا للمعارك القادمة. لذلك علينا أن ننتظر لنرى ما إذا ستكون هذه المصالحة عنوان تهدئة صلب المكتب التنفيذي والهياكل القيادية للاتحاد أو هي مجرد "قفزة ناجحة" لتلافي المحظور في الهيئة الإدارية الأخيرة. الأمر الأكيد أن كثيرا من الغموض يلف المستقبل ولا غرابة في ذلك بما أن حل المصالحة كان حلا بيروقراطيا فوقيا تماما كما كان انفجار الأزمة في صفوف "شركاء الأمس" من منطلقات وبأهداف بيروقراطية.

الشجرة لا تخفي الغابة مهما كان حجمها
إن التصالح بين فرقاء المكتب التنفيذي على افتراض أنه أعاد الوئام بينهم (وهو أمر مشكوك فيه) وعلى افتراض أن الاتفاق على تاريخ المؤتمر القادم يمثل حلا للأزمة فإنه في الحقيقة لم يعالج الأزمة المعالجة المطلوبة بل أبقى على 9 أعشار و9 أجزاء من العشر المتبقي من الأزمة. فهي أزمة شاملة وعميقة تمس جميع جوانب عمل المنظمة وهيكلتها وخياراتها وأساليب إدارة الأمور داخلها ونظرتها لموقعها من رهانات الساحة العامة وتعاطيها مع آلام العمال والمنخرطين وانتظارات الطبقة العاملة واحتياجاتها وما إلى ذلك من الاستحقاقات.

فإذا كان الخلاف بين أعضاء المكتب التنفيذي وانقسامهم شقين قد غطّى لدى البعض على حقيقة المرض فإنه وبمجرد الاتفاق على موعد المؤتمر وعودة المياه إلى مجاريه صلب المكتب التنفيذي ستعود الإشكاليات الحقيقة والعميقة إلى الظهور على السطح.

إن السنين الطويلة من هيمنة الخط البيروقراطي على الاتحاد قد حولته إلى إطار أجوف وفارغ من كل روح. لقد فقد مكانته كطرف اجتماعي أساسي – إن لم يكن الوحيد – في الدفاع عن عالم الشغل والأجور وظروف العمل والمكتسبات المادية والمعنوية للشغالين والحق النقابي. كما فقد موقعه في ساحة النضال الديمقراطي بعد أن شكل على الدوام، حتى وهو مدجن وخاضع تحت أقدام النظام مثلما كان الأمر في عهد إسماعيل السحباني مثلا، نصيرا للحريات وملاذا يحتمي به ضحايا القمع والتعسف. ويلاحظ الجميع اليوم غيابه الكلي من الساحة وتخليه التام عن قول ولو كلمة عما يلحق الحريات من انتهاك طالت الجميع بما في ذلك نقابيين من مراكز قيادية متقدمة (أعضاء هيئة إدارية وطنية).

وإلى جانب ذلك هجره النقابيون الذين تملكهم العزوف وما عادوا يشعرون بأي دافع لا للانتماء إليه ولا لتحمل المسؤوليات في هياكله جراء المنطق البيروقراطي السائد صلبه والأساليب البالية في تسييره وشيوع الممارسات الفاسدة وغياب الديمقراطية وتفاقم مظاهر التعسف.

كل هذه الأوضاع وغيرها كثير ما زالت في انتظار الحلّ ولم يقع التطرق إليها بعد وبطبيعة الحال لم يأت الوفاق الأخير داخل القيادة بأي مؤشر على معالجتها. بل الخشية كل الخشية أن يكون الوئام في فريق المكتب التنفيذي حافزا على العودة جماعيا لتشديد المنطق البيروقراطي والانتقام من كل من حدثته نفسه في المدة الفائتة انتقاد هذا الشق أو ذلك من القيادة.

بهذا المعنى لا يمكن اعتبار تصالح أعضاء المكتب التنفيذي مكسبا من وجهة نظر مصالح العمال والنقابيين والديمقراطية النقابية ما لم يقع البرهنة على أن هذه المصالحة ما هي إلا مقدمة بسيطة وبسيطة جدا لانطلاق مسار تصحيح حقيقي وجدي وعميق لأوضاع منظمة حشاد. مسار يجب أن يكون على أنقاض وضد البيروقراطية التي تتحمل مسؤولية كل المساوئ التي "تميز" أوضاع الاتحاد. وهو ما سنعود إليه في مساهمة أخرى في الأيام القليلة القادمة.


تونس في 31 ماي 2025