الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة تخفى أزمة


جيلاني الهمامي
2025 / 5 / 26 - 08:02     

انتهت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل كما بدأت. فبعد أكثر من تسعة أشهر التأمت على أمل أن تطوي صفحة الأزمة التي تعصف بالمنظمة. ولم يكن من اليسير أن يحصل ذلك بالنظر إلى حدة الخلاف الذي شقّ المكتب التنفيذي شقين وعمّق الهوة بينهما حدّ القطيعة. ووصلت الأزمة ذروتها مع دخول “الخماسي” في اعتصام بمقر الاتحاد دام زهاء الشهر وتمّ تعليقه على أن تنعقد الهيئة الإدارية في غضون شهر مارس ويتقرر في شأن المؤتمر الوطني القادم سواء وقع تصنيفه في خانة “الاستثنائي” أو كمؤتمر “عادي مع تقديم تاريخ انعقاده”.
ونتيجة لذلك عاد الخماسي لاجتماعات المكتب التنفيذي وأثمر هذا الوئام اتفاقا على عقد الهيئة الإدارية يومي 21 و22 ماي 2026. وقد سبقت الهيئة الإدارية تحركات معلنة وخفية أضفت على الوضع مزيدا من الغموض والضبابية إذ لم يكن من السهل الجزم بحصول مصالحة بين فرقاء المكتب التنفيذي من عدمها. وكان لا بدّ من انتظار انطلاق اشغالها للوقوف على حقيقة الموقف.
هذا الغموض ساد أشغال اليومين الأوّلين للهيئة الإدارية وتعمّق لدى الكثير من أعضائها من خلال الصراع حول ترتيب نقاط جدول الأعمال طيلة الحصة الصباحية من اليوم الأول. فالخلاف حول بدء المداولات بنقطة “الوضع النقابي الداخلي” أو بنقطة “الوضع العام والوضع الاجتماعي” لم يكن مجرد خلاف بقدر ما كان يخفي حسابات وأغراضا لم يقع الإصداع بها إلا عند احتدام الجدل الذي حسمه الأمين العام بقرار توفيقي لإنقاذ الاجتماع.
وباستثناء بعض “الاشتباكات” المعزولة من حين لآخر فقد خيّم على أشغال كامل اليوم الأول وصبيحة اليوم الثاني جوّ من الأمل في أن تُقِرَّ الهيئة الإدارية موعد المؤتمر الوطني، بصرف النظر عن صيغته، في شهر جانفي 2026. كان ذلك واضحا من التوجه العام للغالبية العظمى من التدخلات، لكن تدخل عضو المكتب التنفيذي المكلف بالإعلام وقلة من الموالين له حال دون حوصلة رئيس الجلسة، الأمين العام نور الدين الطبوبي، للأشغال في هذا الاتجاه وسرعان ما انقلب الهدوء والوئام إلى صراع حادّ وضجيج أنهاه الأمين العام برفع الاجتماع للعودة من الغد في يوم ثالث لمواصلة المداولات.
لقد دخلت الهيئة الإدارية منعرجا أعاد إنتاج سيناريو المجلس الوطني الأخير. وبالنظر إلى حالة الاحتقان الناجمة عن حادثة البارحة ولعملية التعطيل التي تعمّدها المكتب التنفيذي المنعقد استثنائيا قبيل انطلاق أشغال صبيحة اليوم الثالث بات من شبه الثابت أنّ شيئا دُبِّرَ بليل حتى تنتهي الهيئة الإدارية على نزاع جديد وانقسام آخر حول بيان تُلِيَ على الحاضرين وأصبح لِتَوّهِ “عظم الخلاف” في المرحلة القادمة.
فعلى غرار ما حصل في المجلس الوطني السابق (سبتمبر 2024) انفضّت الهيئة الإدارية على نقاش حاد حول بيان غَيَّبَ عُنْوةً الموقف مِنَ المؤتمر الاستثنائي ولم يُحْظَ بالمصادقة. ومن غير المتأكد أنّ عودة الهيئة الإدارية للانعقاد الخميس القادم 29 ماي الجاري سيكتب لها أن تنعقد حقا أم كان مجرد وعد لتهدئة الخواطر وتجاوز اللحظة.
وانتهت الهيئة الإدارية كما بدأت. ما يعني أنها عادت بالاتحاد إلى أيّام سبتمبر الماضي وكأن الأشْهُر التي انقضت منذئذ بكل ما فيها من صراعات وتناحر و”تهتيك” للاتّحاد لم تكن أصلا وسيتعيّن علينا العودة من جديد إلى فصل أو فصول أخرى من “الاقتتال” النقابي وتدمير ما تبقّى من منظمة مُتعبة بل مُنهكة وعلى مشارف الاحتضار.
والسؤال الذي يَطْرَحُ نفسه بكل إلحاح هو من ذا الذي يخشى المؤتمر الاستثنائي؟ وما هو المغزى العميق لتعمّد أعضاء بارزين في المكتب التنفيذي بقيادة الأمين العام وسامي الطاهري الزجّ بالاتحاد في حالة تعطّل كهذه؟ كل هذا والحال أنّ الاتّحاد يمرّ بأزمة لم يسبق له مطلقا أن عاشها.
إنّ نهاية المجلس الوطني على تلك الشّاكلة وتكرار الحالة في الهيئة الإدارية الأخيرة يعمّق القناعة لدى أوساط نقابية وغير نقابية كثيرة بأنّ هناك نيّة في استدامة الأزمة واستفحالها وتعفينها وهو ما أثبتته الأشهر المنقضية منذ سبتمبر من العام الماضي. ويبدو من خلال المؤشرات الجديدة أنّ الاتّحاد مُقْدِمٌ على فصل جديد من أزمة أعوص وأعمق. من المستفيد من ذلك؟ إنهم بلا شك الذين يتسبّبُون في هذا التعطيل ولكن أيضا أعْدَاءُ العمل النقابي الذين لا يروق لهم وجود منظمة نقابية مستقلة ومناضلة ونشيطة في الدفاع عن منخرطيها في ظروف معيشية مثل الظروف التي يعيشها الشغالون اليوم.
ومِمَّا يُسْتشفُّ أيضا من نمط النهايات التي تتكرر لاجتماعات الهياكل التمثيلية القيادية في الاتحاد (المجلس الوطني والهيئة الإدارية)، فضلا عن فشل القيادة الحالية في إدارة شؤون المنظمة وخاصة في فترات الأزمات، هو التقارب الموضوعي في التوجّه والموقف بين رموز التعطيل داخل الاتّحاد وسلطة 25 جويلية. أفليس تفكيك الأجسام الوسيطة ودفعها رويدا رويدا إلى الانحلال فالاضمحلال من تلقاء نفسها هو المنهج الرّسْمي لتعاطي سلطة 25 جويلية مع المنظمات والأحزاب وعموم الأجسام الوسيطة؟
إنّ تكرار هذه النهايات في كل مرّة وإجبار الاتحاد على الدخول في حالة من الانقسامات والتطاحن وهدر الطاقة في نزاعات من قبيل النزاع الحالي بين “الاخوة الأعداء” هو تلهية متعمدة عن انشغال النقابيين بالقضايا الأساسية وبالتالي تحويل الاتحاد إلى جسم بلا روح من ناحية ودليل على أنّ هناك تنسيق محكم بين كل مكونات 25 جويلية في مختلف المواقع والأطر بما في ذلك في الاتحاد العام التونسي للشغل ومن خارجه.
لقد أثبتت القيادة الحالية وخاصة الشّقّ المعرقل لانعقاد المؤتمر الاستثنائي أنها أصبحت عبئا على الاتحاد وبات من الواجب التخلّص منها وذلك عَبْر مؤتمر استثنائي حتى لا تدخل الحركة النقابية التونسية في دوامة الانشقاقات والتعدد الذي لا يخدم في نهاية المطاف غير رأس المال ومصاصي دماء العمال وعرقهم.