الطبقة المستحيلة: أزمة العامل العربيّ في اقتصاد تابع


محمد عادل زكي
2025 / 5 / 24 - 07:45     

لا يجب النظر إلى المسألة العماليَّة في عالمنا العربي كقضيةً فئوية، بل هي عقدة من عُقد التكوين الاجتماعيّ في اقتصَادات متخلّفة، لم تنجز قطيعةً حقيقية مع بنية ما قبل الرَّأسماليَّة، كما لم تحقق اندماجًا عضويًا في بنية رأسماليَّة مكتملة. فالعامل العَربيّ، منذ تشكُّل ما يُسمى "الطَّبقة العاملة" في ظل حركات التَّحديث، لم يكن يومًا طرفًا فاعلًا في إنتاج شروط وجوده الطبقيّ. إنّ العامل في الاقتصَادات العربيَّة، كما هو الحال في الأطراف التابعة للنمط الرأسماليّ العالميّ، لا يعمل في ظل علاقة إنتاج تُعبّر عن منطق داخلي للاقتصَاد القوميّ، بل في ظل اقتصاد تابع، يُعاد إنتاجه من خارجه، وتُفرض عليه شروطه من أعلى، سواء أكان ذلك على صورة قروض، أم برامج إصلاح، أم آليات سوق حرة مُسيّجة. ومن ثم، فإنّ العامل العربي لا يُنتج قيمة اجتماعيَّة متمركزة في دائرة إنتاج وطنيَّة، بل يُقدِّم طاقته الحية في خدمة آليات متشظية، غير مكتملة، لا تقيم وزنًا للاجتماعيّ أو للتاريخيّ. ومن هنا، فإنّ القِيمة التي يُنتجها العامل العربيّ ليست قِيمة اجتماعيَّة حقيقية، لأنها لا تمر عبر آلية الاعتراف الاجتماعيّ، ولا تُقاس في إطار زمني/اجتماعيّ وطني، بل تُختزل إلى أجر هزيل لا يعادل حتى الطَّاقة البيولوجيَّة اللازمة لبقائه. هذا ما يجعل من العمل، الَّذي كان ينبغي أن يكون جوهر القِيمة، مجرَّد آلية استنزاف، وتجريد للوجود الإنسانيّ من معناه. لقد خرجت الرَّأسمالية في عالمنا العَربيّ عن قانونها الدَّاخليّ، ولم تعد تنتج، بالأساس، فائضًا يُعاد توزيعه اجتماعيًّا، بل تُعيد إنتاج الفقر، والتهميش، والقلق، والبطالة المقنّعة، والعمالة المؤقتة. وإنّ السياسات الَّتي اعتُمدت منذ بداية الثمانينيات لم تُفضِ إلى تحرير السُّوق، بل إلى تحرير الرَّأسمال من أي مسؤولية اجتماعيَّة، وهو ما جعل من العامل العربيّ الحلقة الأضعف في سلسلة من الاستغلال المركب: استغلال من الدَّولة، واستغلال من الرَّأسمال المحلي والدوليّ، واستغلال من الثقافة السَّائدة التي لا ترى في العمل قيمة، بل ترى في التسلُّق والاحتيال والسمسرة مهارة. وهكذا، لا يمكن الحديث عن "العمال" في عالمنا العَربيّ إلا باعتبارهم فئة اجتماعيَّة مستلبة، لا بوصفهم طبقة. ذلك أن الطَّبقة لا تُعرَّف فحسب بموقعها في علاقات الإنتاج، بل بقدرتها على الْوعي الذَّاتي والتَّنظيم والصراع من أجل تغيير شروط وجودها. وفي ظل القمع السياسيّ، والتفكك النقابيّ، والتشويه الإعلاميّ، والانسداد الاقتصَاديّ، فإنّ العامل العربيّ يُدفع دفعًا إلى العزلة، والاغتراب، والاستقالة من المجال العام. إن تغيير هذا الواقع يتطلّب وعيًا جديدًا بالعمل بوصفه طاقة، لا أداة. وبالزمن بوصفه مكونًا في القيمة، لا مجرّد لحظة عابرة. وبالإنسان بوصفه غاية، لا وسيلة. وإلى أن يتحقق هذا الوعي، سيبقى العامل الْعربيّ يعمل لا ليعيش، بل يعيش ليُستنزف!