ماذا لو أصبح سلاحًا رقميًا من حوارنا -كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة-، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة الثانية


فاطمة الفلاحي
2025 / 5 / 21 - 01:54     

ماذا لو أصبح سلاحًا رقميًا..؟ من حوارنا "كأن الذكاء الاصطناعي هو الكأس المقدسة"، مع الرفيق رزكار عقراوي – بؤرة ضوء – الحلقة الثانية

الذكاء الاصطناعي وكما يعتقد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق: بأنه سيكون أكثر تدميرًا من أي قنبلة ذرية فيما لو نشبت الحرب بين الصين والولايات المتحدة، لأنه لا يوجد وراءه فكر وذكاء بشري.

ماذا لو أصبح الذكاء الاصطناعي سلاحًا رقميًا بيد الدول العظمى؟

يجيبنا مشكورًا:
في الواقع لا حاجة لصيغة الافتراض واستخدام كلمة - لو -، لأن الذكاء الاصطناعي هو الآن فعليا أحد أخطر الاسلحة بيد الدول العظمى، وقد أصبح امتدادا مباشرا لبنية الهيمنة الرأسمالية العالمية، ليس فقط في المجال الاقتصادي، بل في ميادين الحرب والتدمير والسيطرة والقمع وغسل الوعي الجماهيري. لسنا امام اداة تقنية، بل امام منظومات خوارزمية مبرمجة بشكل علمي دقيق لإعادة انتاج السيطرة الطبقية، لكن بوسائل غير مرئية، وغير محسوسة، وأكثر تأثيرا على المدى الطويل. الصاروخ يدمر بناية، والقنبلة النووية تدمر مدينة، لكن الذكاء الاصطناعي يدمر شيئا أعمق بكثير، يدمر الوعي، الادراك، الارادة الجماعية. السلاح التقليدي يقتل الجسد، اما هذا السلاح الرقمي فيعيد برمجة العقل، ويحول الانسان الى كائن منضبط داخليا، خاضع لما تمليه الخوارزميات، حتى دون ان يشعر. هذه ليست مبالغة، هذا هو الواقع المتحقق، وكل ما حولنا من شبكات مراقبة رقمية، انظمة تحليل سلوك، ونماذج تنبؤية، ليس الا ادوات لقمع الانسان بلغة برمجية باردة، لا تحمل صوت الشرطة والجيوش لكنها تنفذ وظيفتها.
لقد أصبح الذكاء الاصطناعي جزءا من سباق التسلح العالمي، وتوظف تقنياته في تطوير اسلحة مسيرة قادرة على اتخاذ قرارات بالقتل دون تدخل بشري، وفي الهجمات السيبرانية التي تعطل الكهرباء والمياه والبنية التحتية للدول، بل وتستعمل كأداة لتفجير الازمات من الداخل. الخطر هنا لا يقتصر على ساحات المعارك التقليدية، بل يشمل حياة المدنيين، اقتصادهم، امنهم، ووعيهم الجمعي.
لا يمكن الحديث عن الذكاء الاصطناعي كسلاح دون التوقف عند أحد أكثر امثلته توحشا ، وهو ما قامت به اسرائيل في عدوانها الاخير على غزة. لقد استخدم الاحتلال الذكاء الاصطناعي بشكل ممنهج ومنظم، كأداة مركزية في تنفيذ عمليات ابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، حيث تم توظيف انظمة خوارزمية، مثل نظام لافندر، لتحليل قواعد البيانات الضخمة وتحديد الاهداف البشرية للقصف خلال ثوان، دون اي اعتبار لكونهم اطفالا، نساء، مدنيين، مرضى او حتى لاجئين. بهذه التقنية تحولت خوارزميات القتل الى القائد الفعلي للعدوان، وصارت تقرر من يموت ومتى واين، بعيدا عن اي محاسبة قانونية او قيمية. النتيجة كانت قتل عشرات الالاف من المدنيين الفلسطينيين، وتدمير الاف البيوت والمستشفيات والمدارس، تحت تبريرات امنية خوارزمية لا تخضع للمساءلة ولا للعقل البشري. لقد صار القتل عملية مؤتمتة، تنفذها اجهزة بلا مشاعر ولا مراجعة، مدعومة بالبنية التحتية الرقمية التي توفرها الدول الكبرى وشركات التكنولوجيا الكبرى وبالأخص في الولايات المتحدة واوروبا.
هذا القتل لم يكن ممكنا لولا الدعم المباشر من هذه الشركات، مثل غوغل وامازون ومايكروسوفت، التي زودت الاحتلال بأدوات الحوسبة السحابية والتعلم الالي ضمن مشاريع عسكرية كبرى، وعلى رأسها مشروع نيمبوس. وبدعم كامل من الدول الرأسمالية الكبرى، التي لم تكتف بالصمت، بل شاركت بشكل مادي ومباشر في بناء هذه المنظومة القاتلة، يصبح الذكاء الاصطناعي اليوم جزءا من بنية الاستعمار الاستيطاني، وسلاحا رئيسيا في جريمة تطهير عرقي ترتكب على الهواء مباشرة. ان ما تقوم به اسرائيل ليس مجرد تطبيق متقدم للتكنولوجيا، بل نموذج رعب لحقبة جديدة ترتكب فيها المجازر بكفاءة خوارزمية، ويشرعن القتل الجماعي بلغة رياضية باردة. وهذا الاستخدام الاجرامي يكشف جوهر الذكاء الاصطناعي في ظل الرأسمالية. ليس فقط اداة لتحسين حياة البشر، بل هو ايضا سلاح فعال للسيطرة، القتل والتدمير.
وهنا تصبح الخوارزمية أخطر من القنبلة، لأنها لا تقتل فقط، بل تشرعن القتل وتخفيه تحت واجهات تقنية. تحول الجريمة الى عملية حوسبة قتالية، ينفذها جهاز لا يسأل ولا يتردد، ولا يحاسب. وكل ذلك يدار من غرف بعيدة، مدعومة بخدمات حوسبة سحابية، تملكها الدول الكبرى والشركات الرأسمالية التي تسوق هذا كله باسم الابتكار والتطور التكنولوجي.
مواجهة هذا النوع من السلاح تتطلب مشروع مقاومة يساري تحرري شامل، من خلال العمل من اجل فرض قوانين محلية ودولية تحظر استخدام الذكاء الاصطناعي في الاغراض القمعية والعسكرية، وتجريم تصديره للأنظمة الاستبدادية، كما تفعل ممالك الخليج اليوم بتسابقها المحموم على بناء انظمة خوارزمية لتعزيز قبضتها الامنية وانظمتها الاستبدادية. لكن أكثر من ذلك، لا بد من تطوير بدائل يسارية تحررية في مجال الذكاء الاصطناعي، مبنية على البرمجيات الحرة، ومملوكة جماعيا، وتدار برقابة شعبية حقيقية وبضوابط مجتمعية. فنزع هذه الادوات من قبضة الطغم التكنولوجية والدول الرأسمالية الكبرى، ضرورة وجودية للبشرية. فالذكاء الاصطناعي، كما يتطور اليوم، لا يقل خطرا عن الاسلحة النووية. إذا لم تخض القوى اليسارية والتقدمية هذه المعركة الآن، فسنواجه مستقبلا تكون فيه الخوارزميات أحد اهم الاسلحة الجديدة الفتاكة للرأسمالية والدول الكبرى، وبفاعلية وقسوة غير مسبوقة، ويصبح القتل والتدمير مجرد قرارات خوارزمية تنفذ بلا مراجعة بشرية أو أخلاقية أو سياسية ودون أي مساءلة.
_____________

• كتاب: الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة، يمكن الحصول عليه مجانًا عبر الرابط:
https://rezgar.com/books/i.asp?bid=3

انتظرونا في الحلقة الثالثة