بمناسبة يوم العمال العالمي – صفحات من تاريخ الحركة العمالية في العراق


رشيد اسماعيل
2025 / 5 / 20 - 09:38     




بعد انقلاب عبدالسلام عارف على البعث في ١٨ تشرين ١٩٦٣ وانهاء شراكة البعث معه في السلطة والاستفراد بها . اقدم بعض الشيوعين المعتقلين في السجون بعد الثامن من شباط عام ١٩٦٣ على اعلان البراءة من الانتماء الشيوعي في مقابل اطلاق سراحهم ويتم نشر البراءة في الجرائد اليومية الصادرة آنذاك، وللشاعر مظفر النواب قصيدة مشهورة بهذا الصدد تحت عنوان (البراءة) والتي ساهمت في إيقاف هذا المد. اما من امتنع عن هذا المطلب فتم تسفيره الى معتقل (نكرة السلمان) سيء الصيت.

بعد اغتيال عبدالسلام عارف في طائرة الهليكوبتر في نيسان عام ١٩٦٦ وكما هو معروف، ومجيء شقيقه عبدالرحمن عارف الى السلطة، تنفس الشيوعون والحركة الديمقراطية الصعداء، وبدأت المقالات تطالب بالحريات والديمقراطية وخاصة مع وجود هامش للشيوعيين مكنهم من اعادة ترتيب اوراقهم، حيث اقدمت الجماهير التواقة للحرية والعدالة الاجتماعية بتوسيع المواجهة والتحدي في كل مكان .كما عمقت نكبة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ من روح النضال من اجل التغيير والخلاص من الانظمة التي جلبت الفقر والبؤس والبطالة والقمع والدكتاتورية للجماهير في مختلف البلدان في المنطقة.

ووسط هذا الحراك والغليان، جرى حدث كبير داخل الحزب الشيوعي العراقي، تمثل بانشقاق القيادة المركزية وبروز تيار شيوعي جديد في الساحة السياسية العراقية، ألا وهو تنظيم ( القيادة المركزية) ومن اولويات هذا التيار، الظفر بالسلطة السياسية والابتعاد عن سياسات الحزب الشيوعي العراقي التوفيقية والممثلة لأجندات القوى العالمية وتقاسمها للمنطقة، ما ادى لاستقطاب الجماهير والتفافها حول هذا التشكيل الجديد، رغبة في تحقيق احلامها في الحرية والعدالة والخلاص من هذه السلطات.

بعد توسع هذا الخط الراديكالي وقاعدته الجماهيرية، حقق فوزا ساحقا في الانتخابات الطلابية، ما مثل انتصارا للخط الثوري داخل الحركة الطلابية. كما حدثت مظاهرة كبرى وتحديدا في الخامس من حزيران عام ١٩٦٨، وتميزت هذه المظاهرة بانها من السعة والحضور الجماهيري ما يذكرنا بمظاهرات العمال ابان حقبة عبد الكريم قاسم. وقد رفعت الجماهير شعارات سياسية وثورية منها اسقاط السلطة وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ما دفع بالسلطة في حينها الى قمعها بشراسة، من قبل الاجهزة الامنية وذلك قرب جسر الاحرار وعند سينما الوطني، وقد اشترك القوميون العرب من جماعة (هاشم علي محسن) في قمعها. وعلى خلفية ذلك تمكن عدد من السجناء الشيوعيين في سجن الحلة من حفر نفق والهروب من السجن وعلى رأسهم الشاعر الكبير (مظفر النواب)، وبعد المطاردات بحق نشطاء الحركة الفتية المتمثلة بالقيادة المركزية تم لجوء جزء من قياداتها الى الاهوار وقد اعلنوا من هناك الكفاح المسلح وقد تمكنت السلطة من قتل القائد (خالد احمد زكي) ورفاقه الذين ضحوا بحياتهم من اجل حرية وكرامة الجماهير.

في حقيقة الامر، وعلى اثر انبثاق حركة فيها سمات ثورية راديكالية، دق ناقوس الخطر لدى الدوائر الغربية، وتم الاستعجال بالعمل على تغيير النظام والاتيان بنظام حليف يلبي تطلعات الرأسمال العالمي وبطريقة بهلوانية مفضوحة من خلال سيطرة الفاشية البعثية من جديد على السلطة.

لكن قبل ذلك، وخلال نهايات سلطة عبد الرحمن عارف، تقرر اجراء انتخابات عمالية فتشكلت قوائم للأحزاب السياسية وكانت قائمة (وحدة الطبقة العاملة) وتحت قيادة القيادة المركزية والتي انضم اليها جماعة (عبدالاله النصراوي) وقد سميت بكفاح العمال وكان يرأسها (محمد عسكر) من القيادة وفي المكتب التنفيذي (نوري نجم المرسومي) والذي لاحقا اصبح وكيل وزارة الاعلام في زمن البعث، اضافة الى (محل الدليمي) من مجموعة (عبدالإله النصراوي). ومن القيادة المركزية على ما اذكر كان هناك (عيدان ابو محمد وجبار المكصوصي وعبد جاسم وجبار شلش ابو عادل وحاتم سجان وكاظم مهلهل و محمد كريم) واخرين لا اتذكر اسمائهم.

تم تعميم التحاق رفاق القيادة الى قائمة كفاح العمال، وكنت آنذاك في احدى خلايا شارع الكفاح، اي ضمن عمل محلية الرصافة، فطلبوا مني الالتحاق بقائمة وحدة الطبقة العاملة الخاصة بنا وبعدها تغير الاسم الى قائمة (كفاح العمال). التحقتُ بلجنة عمال الكهرباء، وقد استقبلني الرفيق (جبار شلش ابو عادل) واستفسر عن مكان عملي في الكهرباء حيث كنت ضمن صيانة المحطات الكهربائية الثانوية. كما ضمت هذه اللجنة (عودة جبر وحمدان كاظم وجاسم السائق) وجماعة اسالة الماء ( الرفيق خضير). ولم يعرفوا حتى ذلك الوقت باني ضمن القيادة المركزية وتعرفت حينها على (حاتم السجان ومحمد كريم) اللذان كانا من القيادة ضمن اللجنة الصدامية للقيادة المركزية اللذان تم اعدامهما فيما بعد بقصر النهاية.

في هذه الفترة، وبما اني غير معروف الانتماء بالنسبة للعديد من الجهات نتيجة السرية التي كانت تحيط بعملنا، حاول (نوري نجم المرسومي) ان يناقشني وان يكون بيننا حديث وحوار، حيث اهداني كتاب (تحالف العمال والفلاحين للينين) لاعتقاده بأني مستقل، فحاول ان انخرط معهم في حركتهم القوميون العرب اي جماعة (عبدالإلاه النصراوي) . وكذلك دخل حاتم السجان معي في حوار مستفسرا عن انتمائي فلم اذكر الى ان جاء بعد بضعة ايام يقول لي( مع جبار شلش ابو عادل) :وصل ترحيلك الحزبي الينا في لجنة الكهرباء، فكانت لحظة لا تنسى في العمل الحزبي بالنسبة لي. وكانت لجنة الكهرباء المنتمية الى تنظيم ( القيادة المركزية) تتكون من (جبار شلش وحمدان كاظم وكاظم ابو فارس – وهو عامل في البناء).

ان قائمة كفاح العمال كانت تتوسع ويزداد التفاف العمال حولها الى ان جاء يوم السابع عشر من تموز عام ١٩٦٨ “الأسود” الذي استولى فيه البعث على السلطة بشكل تام. فكان التهديد والوعيد للعمال والانتهاكات مستمرة ومتواصلة في كل المصانع والمعامل وفي الكهرباء فكتبنا مذكرة احتجاج الى وزارة العمل وكان مقرها في التقاعد العامة حاليا في الكرخ ساحة الشهداء. وقد استقبلنا اثر ذلك وكيل الوزير (الحسني)، لا اذكر اسمه الكامل وعرضنا عليه المذكرة انا وجبار شلش.

ان كل التغييرات التي حدثت على المستوى السياسي من خلال انقلاب تموز، لم تؤثر على الجماهير العمالية ولم ينقطع النضال، واستمرت الجماهير بدعم قائمة كفاح العمال، وكانت الاجتماعات مستمرة على قدم وساق، وقد اجريت الانتخابات في دوائر الكهرباء وإسالة الماء، وجرت انتخابات كهرباء الرصافة في منطقة العبخانة وكانت توجيهات لجنة الكهرباء، و(محمد عسكر) رئيس قائمة كفاح العمال واضحة ان لم يتوفر النصاب لنا أنزل انا (رشيد اسماعيل) باسمي الشخصي ضد قائمة البعث.

ان لجنة العبخانة، وانا رئيسها، كانت تضم عشرة عمال وفي يوم الانتخابات لم يحضر اي منهم بتأثير التهديد والوعيد، وكان للمجرم ( فاضل حميدي ) الدور الأساس في التهديد الذي شملني كذلك حيث هددني بمسدسه ولكني لم أعر له أي اهتمام . واثناء ذلك لم اجد اي واحد من العمال فاضطررت لدخول الانتخابات باسمي ضد قائمة البعث المسماة “التقدمية الاشتراكية” . في هذه الاثناء كانت اجتماعات عمال الزيوت مستمرة ويقودها (عبد جاسم واحمد غضبان ورحيم الشيخ علي ابو بلند واسمه الحركي في كوردستان -حيدر فيلي) وبقية العمال للتهيئة لإضراب الزيوت، وفعلا تحقق الاضراب وقتل الرفيق (جبار لفتة) من القيادة المركزية. وقاد الهجوم المجرم (صلاح عمر العلي) عضو القيادة القطرية للبعث و(فهد جواد الميرة) امر معسكر الرشيد وتم اعتقال قادة الاضراب وبقية العمال وتم تكريم فهد جواد الميرة من قبل سلطة البعث وتنصيبه رئيسا للجنة الاولمبية العراقية على هذا العمل الذي قام به ضد عمال الزيوت.

تكمن اهمية هذا الاضراب في كشف الوجه الحقيقي لسلطة البعث الفاشي حيث سقطت كل الأقنعة الجديدة التي كانوا يعلنونها “بقلب الصفحات وبناء البلد وثورة بيضاء”، تم سقوطها وفضحها كأداة فاشية ضد الجماهير فكانت نقطة تحول في مواجهة هذه الزمرة المجرمة بالنسبة للجماهير.

ان العديد من القوى السياسية الانتهازية والمعروفة بتاريخها المساوم، انبطحت امام سيطرة نظام البعث الفاشي وعقدت صفقات وتم تشكيل جبهات على حساب الطبقة العاملة والطلبة والشبيبه والمرأة وكل الجماهير. لكن نضال الطبقة العاملة وكل التحررين والثوريين تواصل مع كفاحهم ولا يزالون بالضد من البعث سابقا وضد القوى البرجوازية من اسلاميين وقوميين حاليا، فألف تحية للطبقة العاملة في العراق والعالم وهم يواجهون توحش الرأسماليين. عاش الأول من أيار يوم التضامن والتلاحم الاممي.