![]() |
غلق | | مركز دراسات وابحاث الماركسية واليسار | |
![]() |
خيارات وادوات |
|
من الكنيسة إلى الجامعة: استمرار أدوار الهيمنة بصيغ جديدة
إن التَّعليم الجامعيّ، في تَجلّيه الحديث، لم يكن محْض انتقالٍ من "المَعْرفَة من أجْل المَعْرفَة" إلى "المَعْرفَة من أَجْلِ السُّوق"، بل كان دوْمًا أداةً من أدوَات السُّلْطة في صيغتها الأيديولوجيَّة؛ تُنْتجُ الوهْمَ كما تنْتج الشَّهادة، وتُخْضع العَقْل كما تخضع الجَسد. فمُنذ لحْظة انْبثاق الجامِعة كَكيان حداثيّ في أحشاء المدينة الأوروبيَّة الصَّاعدة، لم يكنْ غرضُها الأسمى تحرير العقْل، بل إعادة إِنْتاج البنْية الاجتمَاعية السَّائدة، وتَثبيت تَقسِيم العمل الاجتماعيّ، وترْسيخ الأَساطير المعَاصرة للشَّرعيَّة العلميَّة! فالجامِعة الحدِيثة ليست مؤسَّسة حياديَّة، بل هي تعبيرٌ مركَزيٌّ عن روحِ الحضَارة الرَّأْسماليَّة؛ تلْك الَّتي لا ترى في الإِنْسان إِلَّا رأْسْمالًا بشريًّا، وفي المعْرفَة إِلَّا مدْخلًا للإِنْتاج، وفي العَقل إِلا أدَاةً للْحسَاب. وإنْ كانتِ الكَنيسَةُ في العُصور الوسْطى قد حكَمت باللَّاهُوت، فإنَّ الجَامعةَ اليوْم تحْكُم بالتَّصْنيفات الأَكاديميَّة، ومعايير الجوْدَة، ومَقَاييس النَّشْر، وتمنح ما يُشبه ختم المشروعية الحديث: الاعتماد! وليس من قبيل المصادَفة أنْ تتحوَّل الجامعَاتُ في الأطْرافِ، في عالمِنا العَرَبيّ مثلًا، إلى نُسَخٍ مُشوَّهَة من مراكزِها الغربيَّة؛ حيث تُسْتورَد البرامج كما تُستورَد السّلعُ، ويُعَاد إنْتاج الجَهْل في صُورة الحداثَة، ويُلقَّن الطَّالب "المناهج" كما يُلَقَّن العَامل تَعْليمَات المَاكينة. فكما أنَّ الاقْتصادَ التَّابع لا يُنْتج إِلَّا التبعيَّة، فإنَّ الجامعة التَّابعة لا تُنتجُ إلَّا الاسْتلاب! إنَّ المطلُوب اليوم ليس إِصلاحًا إداريًّا للجامِعة، بل نقدًا جذريًّا لوظيفتها، وتفكيكًا لبنيتها، وكشفًا عن نسبها الحضاريّ. علينا أنْ نتحرَّر من وهْم أنَّ الجَامعة معنيَّةٌ بتحرير العقُول، وأنْ ندرك أنَّها، بهياكلهَا وطرُقها ومنَاهجها، جزءٌ من منظومَة السَّيطرة؛ تُنتجُ الاخْتصاصيَّ المُنضبط لا المُفكر الحُرَّ، وتدرّبُ على الطَّاعَة وتُهمّش الخَلْق، وربما سفهته وعاقبت عليه. الجامعَةُ، بهذا المعنى، ليْسَت بيت العلم، بل بيْت الطَّاعَة!
|
|