كتابة التاريخ من كارل ماركس حتى شي جين بينغ ( 1 )
آدم الحسن
2025 / 5 / 18 - 20:17
لا شك أن اول مَنْ عمل على تفسير التاريخ البشري وفق منظور مادي و كتابته بالاعتماد على التحليل العلمي الديالكتيكي هو الفيلسوف و الاقتصادي كارل ماركس .
التاريخ البشري في نظريات كارل ماركس عبارة عن خمسة مراحل , كل واحدة مِن هذه المراحل تلد جنينا في رحمها تتكون منه المرحلة التي تأتي بعدها , أي أن ماضي كل مرحلة هو عبارة عن جنين نمى في رحم ما قبلها باستثناء المرحلة الأولى التي لم يكن قبلها مجتمع بشري , و كذلك المرحلة الخامسة التي هي حسب النظرية الماركسية نهاية للتاريخ البشري إذ ليس هنالك مرحلة بعدها تختلف عنها من الناحية النوعية .
مِنَ المؤكد أن تاريخ الإنسانية عند ماركس يتكون من سلسلة متوارثة من المراحل التاريخية , تجري هذه المراحل وفق سياق حتمي لا تصنعه قوى غيبية , بل أنه صنيعة نتائج حتمية للواقع المادي الديالكتيكي الذي تعيشه المجتمعات البشرية .
المراحل الخمسة التي يتكون منها التاريخ البشري وفق النظرية الماركسية هي التالية :
المرحلة الأولى : مرحلة المشاعية البدائية .
ظهرت هذه المرحلة مع البدايات الأولى للحياة البشرية , كانت انتاجية الانسان في هذه المرحلة ضعيفة جدا , بقدر حاجته للبقاء حيا أو أقل , لذا لم تكن هنالك امكانية لاستغلاله من قبل أنسان آخر .
عاش البشر في هذه المرحلة في تجمعات بدائية خالية من كل اشكال الاستغلال , إذ ليس في هذه التجمعات البشرية طبقات , و أصبح ممكن تسمية العلاقة بين افرادها بالمشاعية البدائية .
من خلال التحليل الاقتصادي لإنتاجية الانسان في هذه المرحلة نجد أنه ليس هنالك فائض قيمة ممكن أن يفرزه عمل الانسان سوى قدر ضئيل يتراكم في الآلات البدائية التي كان يطورها الانسان لزيادة قدرته على الصيد أو على إنشاء كهوفه البدائية التي تحميه من الحيوانات المفترسة أو تقيه من البرد و المطر .
المرحلة الثانية : مرحلة العبيد .
مع تطور الألة من حالتها البدائية جدا الى حالة ارتفعت فيها انتاجية عمل الأنسان الى مستوى اعلى مِنْ حاجته للبقاء حيا , عندها اصبح الأنسان كائنا يمكن استغلاله بعد أن اصبح قادر على انتاج أكثر مِنْ ما يكفيه للبقاء حيا , حيث يتمكن مَنْ يمتلكه الحصول على الفائض من انتاج هذا الانسان الذي صار عبدا .
في هذه المرحلة بدأت مكونات التجمعات البشرية تنقسم الى مجموعتين أو طبقتين , طبقة الأسياد و طبقة العبيد , و بدأت تتشكل منها مجتمعات طبقية اكثر تطورا يحكمها الاسياد الذين يحصلون على فائض قيمة العمل الذي تنتجه طبقة العبيد .
بعض المجتمعات البشرية في عصر العبودية أخذت تكبر و تتوسع حتى تشكل منها امبراطوريات فائقة القوة في عصرها كالإمبراطورية الفرعونية في مصر القديمة و الإمبراطورية الرومانية التي اتخذت من روما عاصمة لها .
لقد استغرق ولادة مرحلة العبودية زمنا طويلا من حياة البشر حيث نمت هذه المرحلة بشكل تدريجي في رحم مرحلة المشاعية البدائية كنقيض ديالكتيكي لها .
المرحلة الثالثة : مرحلة الأقطاع .
في مرحلة العبودية , اكتشف بعض الأسياد أن اعطاء نسبة من الإنتاج الزراعي للعبيد كمكافئة لهم زاد من اجمالي انتاجهم , و يكون فيها الطرفان , الأسياد و العبيد , رابحين , عندها اخذت بعض شرائح طبقة العبيد تتحول بشكل تدريجي الى فلاحين , نشأ مع هذا التغيير مرحلة جديدة هي مرحلة الأقطاع .
من خلال متابعة معادلة التغيير في العلاقات الاجتماعية في الإنتاج نجد أنها اعادت تكوين نفسها مع فارق نوعي في هذه العلاقات , فقد تشكلت مرحلة الأقطاع بعد أن نمت في رحم مرحلة العبودية كنقيض ديالكتيكي لها , و بذلك نجد أن عجلة التاريخ تتحكم بها دائما المصالح الاقتصادية و تحقيق اكبر قدر من المنفعة .
المرحلة الرابعة : المرحلة الرأسمالية .
مع تطور الآلة , وجد مَنْ يمتلكها انه ليس هنالك جدوى اقتصادية من مشاركة الأنسان العامل في ما ينتجه من سلع , لذلك ظهر شكل جديد من العلاقات الاجتماعية في الإنتاج و هي أن صاحب رأس المال الذي يملك الألة يقوم بشراء قوة عمل العامل لفترة زمنية محددة , على سبيل المثال عشرة ساعات عمل يوميا مقابل مبلغ من المال الذي صارت تسميته الأجر النقدي مقابل العمل , هنا و بشكل تدريجي ايضا بدأت مرحلة الأقطاع تنتج تدريجيا المرحلة الرأسمالية .
استمر التطور في العلاقات الاجتماعية في الانتاج ليكون الأجر النقدي مقابل العمل هو الأساس الذي ادى الى تحول الفلاح الى عامل زراعي يعمل ليس من أجل المشاركة في الإنتاج ( حصة من المحصول الزراعي ) بل مقابل أجر حاله حال العامل في الورشة .
بكل وضوح , لقد نمت المرحلة الرأسمالية في رحم مرحلة الاقطاع كنقيض مادي ديالكتيكي لها ايضا , حيث سارت حركة التاريخ كما وصفها كارل ماركس بأن كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري تخلق نقيضها ديالكتيكيا .
المرحلة الخامسة : المرحلة الشيوعية .
كتب ماركس تصوره للمجتمع الإنساني في مرحلة ما بعد الصناعة , مرحلة ستعيشها البشرية مع وفرة مطلقة لكل ما تحتاجها بعد أن تكون القدرة الإنتاجية لعموم المجتمع البشري اعلى بكثير من حاجاته أو قدرته على الاستهلاك , ستتشكل هذه الحالة حين ستتطور الآلات لدرجة عالية جدا تكون انتاجيتها اعلى بكثير من ما يمكن أن يستوعبه السوق , عندها سينهار السوق و تنهار معه الطبقات الاجتماعية و تدخل البشرية في عصر الوفرة المطلقة .
اعتبر ماركس أن هذه المرحلة المستقبلية هي نهاية للتاريخ البشري إذ ليس بعدها مراحل تختلف عنها نوعيا و إن كل التغييرات في الحياة البشرية ستكون تغييرات كمية و ليست نوعية و اعطى هذه المرحلة الأخيرة من تاريخ البشرية اسم " المرحلة الشيوعية " , و هي المرحلة التي تكون كل حاجات الأنسان مشاعة أي متوفرة دون حدود أو قيود و دون ثمن يدفع بسبب أن مفهوم الثمن سينتهي مع نهاية عصر السوق .
(( يتبع ))