العيوب الاستراتيجية للنظام الأسدي
ناجح شاهين
2025 / 5 / 18 - 10:01
هناك عيبان خطيران ميزا نظام البعث أثناء حكم الراحل حافظ الأسد وولده بشار. وإذا كانت الكتابة "السياسية" عن تلك المرحلة لم تعد جزءاً من أي صراع مباشر، فإنها ما تزال مع ذلك مهمة في معركة الوعي ونقد ايديولوجيا الدين السياسي من ناحية، والليبرالية السياسية من ناحية أخرى.
الخطيئتان الأكبر للنظام السوري من مواقع ليبرالية خالصة أو ليبرالية "يسارية" هما:
1. النظام السوري كان نظاماً دكتاتورياً قمعياً يصادر الحريات ويرسل المعارضين إلى غياهب السجون المرعبة. صحيح؟ طبعاً صحيح، فقد كان النظام عينة ممثلة للأنظمة في البلاد العربية ودول العالم الثالث التي تعجز فيها الطبقة البرجوازية عن تحقيق الهيمنة على عقول الجماهير فتضطر إلى فرض حكمها بالاستعانة بجهاز الدولة الإكراهي. وفي هذا المعنى نود التأكيد أن النظام الديموقراطي الليبرالي القائم على تنافس الأحزاب التي تشكل جوهرياً ممارسة اقتصادية/سياسية واحدة ما يزال ملائماً للرأسماليات المصنعة الغربية في شمال أمريكا وغرب أوروبا، حتى أن دولاً مثل روسيا وشرق أوروبا إجمالاً ما تزال بعيدة عن ذلك.
2. النظام السوري لم يطلق من الجولان رصاصة واحدة منذ العام 1973. وهذا القول صحيح إلى درجة كبيرة. ويرجع ذلك إلى عدم قدرة الإمكانيات العسكرية السورية على مواجهة إسرائيل المدججة بالسلاح الأمريكي، وقد كان شعار الراحل حافظ الأسد الدائم هو السعي للوصول إلى التوازن الاستراتيجي. لكن نظام البعث ظل على الرغم من كل شيء صامداً رافضاً للتسوية أو التطبيع حتى عندما انهار الجيران جميعاً بمن في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية. أعتقد مخلصاً أن النظام "الجبان" في سوريا كان يمكن أن يقاتل لو أن مئات المليارات المقدمة من قطر وشقيقاتها من محميات النفط لتدمير دمشق، قدمت لبناء سوريا عسكرياً واقتصادياً. لقد عوقبت الدولة السورية لأنها وقفت في وجه قطار التسوية والتطبيع الأمريكي/الخليجي.
بالنسبة لأنصار الدين السياسي تكمن خطيئة النظام السوري في أنه نظام علماني كافر نصيري علوي شيعي...الخ وكان يحابي الكفار والمسيحيين والشيعة والأقليات "المارقة" كلها ويعادي الدين الصحيح. لذلك كان لا بد من الجهاد ضده وبناء دولة إسلامية قد تشكل مع أختها مصر/محمد مرسي وقطر/تميم نواة دولة الخلافة التي يقودها سلطان المسلمين "العثماني" رجب طيب اردوغان.
من ناحية مبدئية "نتفهم" هذه الاديولوجيا الدينية مثلما نتفهم الاديولوجيا المطهرة خصوصاً والبروتستنية عموماً التي تدعم إسرائيل من أجل التمهيد لإقامة مملكة يسوع التي ستخلص العالم من الشرور والمظالم. لكننا على الرغم من ذلك نسأل إخوتنا المؤمنين من "الفئة الناجية": هل كان ضرورياً أن يبدأ الهجوم الجهادي على الدولة الوحيدة تقريباً التي تعادي الصهيونية وترعى المقاومة بمن فيها المقاومة الإسلامية في غزة؟ ألم يكن من الحكمة بمكان البدء بالجهاد ضد الإمارات أو السعودية أو مصر السيسي أو الأردن أو المغرب ...الخ؟ أليست هذه الدول جميعاً دولاً كافرة لا تحكم بما أنزل الله مثلما أوضح المفكر الشهيد سيد قطب في بيانه الشهير "معالم في الطريق"؟ لماذا تنساقون وراء رغبات طلائع الفكر الأمريكي في هارفارد وبرنستون وستانفورد وكولومبيا ووسائل الإعلام المرتبطة بالاستعمار في بلادهم وبلادنا؟
أضيف في الختام أن ديون سوريا التي سددتها منذ أسبوعين الإمارات والسعودية بلغت 15 مليون دولاراً، بما يعني أن هذه الدولة البعثية الكافرة الدكتاتورية الجبانة لم تكن فاسدة ولا فاشلة اقتصادياً، وكان التعليم فيها مزدهراً، والاقتصاد الزراعي يسد الحاجة، والصناعة تتقدم، بما في ذلك بعض الصناعات العسكرية التي دمرها الصهيوني بعد "فتح الشام" على يد الجولاني.
لم تكن سوريا البعث تجسيد الفشل، أو الفساد، أو الدكتاتورية الذي لا مثيل له، ولم يكن ذلك بداهة سر الجهاد الديني أو الديمقراطي ضدها، وإنما كان صمودها ودعمها للمقاومة هو الذي جلب عليها ما جلب.
وأسأل أخيراً: لو أن بشار التقى ترامب في دورته الأولى، وقال له ما قاله المجاهد الجولاني في دورته الثانية، هل كانت الحملة الجهادية ضد سوريا ستصل إلى "فتح" دمشق؟
صباحكم عقل وأمل ومقاومة تخترق ليل الواقع وظلام العمى العقلي