الاشتراكية لا تولد من رحم السلطة: رد تحرري على الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ لعلى طبله


أحمد الجوهري
2025 / 5 / 13 - 04:55     

**الاشتراكية لا تمر عبر الدولة – مجددًا:

رد تحرري على مقال "هل يمكن التحرر دون سلطة؟" للدكتور علي طبله :


https://www.ahewar.net/debat/show.art.asp?aid=868554

مقدمة: السلطة ليست وعاءً محايدًا بل علاقة اجتماعية يجب كسرها

أكتب هذا الرد ليس بدافع النقاش الجدلي المجرد، بل بدافع الحقيقة. المقال الذي كتبه الدكتور علي طبلة يعيد إنتاج جوهر الطرح السلطوي، مع تغليفه بعبارات “مرحلية” و"تنظيم طبقي واعٍ". ومرة أخرى، نواجه دفاعًا عن الدولة والحزب والانضباط المركزي، لا باعتبارها أدوات رأسمالية، بل كوسائل يُزعم أنها قابلة للتطويع في مشروع تحرري.

لكن السلطة ليست وعاءً ننقل فيه الخير من الطبقة العاملة إلى الدولة، بل هي علاقة اجتماعية طبقية قائمة على الهيمنة، لا يمكن تحويلها بل يجب تفكيكها جذريًا. هذا هو جوهر الخلاف.

١. الدولة الثورية؟ محاولة تجميل جهاز السيطرة باسم الديمقراطية

يقول الكاتب إن الدولة التي تنتزعها البروليتاريا ليست استمرارًا للدولة البرجوازية، بل جهاز ديمقراطي مؤقت.
لكن ماذا نسمّي جهازًا يحتكر العنف ويُشرف على “المرحلة الانتقالية” ويُمارس الرقابة والانضباط باسم الجماهير؟ أليست هذه سمات الدولة البرجوازية نفسها، حتى لو تغيّر اسمها أو شعارها؟

ماركس لم يقل إننا نُبقي على الدولة، بل نُحطّمها ونستبدلها بأشكال مباشرة من سلطة الجماهير. كومونة باريس لم تسقط بسبب غياب الدولة، بل بسبب غياب الأممية الثورية والدعم المادي. وتجربة روسيا أثبتت أن بناء دولة جديدة، حتى إن بدأت بتفويض، تنتهي دائمًا بإعادة إنتاج الاستبداد.

كما قال تشومسكي:

"إذا كانت هناك علاقة بين ما حدث في الاتحاد السوفييتي والاشتراكية، فهي علاقة تناقض."

٢. الحزب الطليعي: من “التنظيم الطبقي” إلى وصاية بيروقراطية

يزعم الكاتب أن الانحراف البيروقراطي ليس قدرًا محتومًا، وأنه يمكن بناء حزب "ديمقراطي، قاعدي، منضبط".
لكن ما لا يريد أن يراه هو أن البنية تنتج الوظيفة. لا يمكن لحزب هرمي أن يولّد ديمقراطية من داخله، ولا يمكن لوصاية تُسمى “تنظيمًا” أن تنتج تحررًا.

كل تجارب الأحزاب "الطليعية" انتهت إلى سحق القواعد باسم الانضباط، من ستالين إلى تروتسكي نفسه الذي دعا إلى "الرقابة من فوق" حتى على الحزب.
كما قال روزا لوكسمبورغ:

"الحرية هي دومًا حرية من يفكر بشكل مختلف."

أي حزب يُنصّب نفسه مُمثّلًا عن الطبقة هو بالضرورة في موقع فوقها، لا داخلها.

٣. في دلالة التجربة: التلاعب بتراث الثوار لتبرير جهاز قمع

الكاتب يتهمني بـ"الانتقائية" في استدعاء تروتسكي وروزا وبانيكوك وتشومسكي. لكن دعونا نضع الأمور في نصابها:

تروتسكي: لم يرفض الحزب، نعم، لكنه انتهى إلى الدفاع عن مركزية خانقة، وأسس جهازًا هو الذي فتح الباب لستالين، كما قالها بنفسه في الثورة المغدورة.

روزا: رفضت ديكتاتورية الحزب، ودافعت عن المجالس، وقالت إن الحزب يجب أن يكون أداة للوعي لا أداة للحكم.

بانيكوك: قدم بوضوح تصورًا شاملاً للمجالس العمالية ضد كل أشكال الحزب والدولة، حتى لو لم يكن "براغماتيًا" كفاية لإرضاء الواقعية السلطوية.

تشومسكي: لم يقدّم “بديلًا ناجزًا” لأنه ليس ستالينًا ليكتب خريطة العالم. بل قال بوضوح إن الاشتراكية هي تحرر المنتجين أنفسهم لا عبر قيادة ولا دولة.
اقرأ مقاله The Soviet ---union--- Versus Socialism، وسترى كيف وصف ما حدث في روسيا بأنه

"استيلاء كهنة الدولة على اسم الاشتراكية لهدمها من الداخل."

٤. التنظيم: التنظيم ليس ضد الأفقية بل معها

يتساءل الكاتب بسخرية: "كيف تُنسّق نضالات دون مركز؟"
والإجابة ببساطة: كما نُسّقت كل الثورات الحقيقية – من إسبانيا 1936 إلى الأرجنتين 2001 إلى روج آفا اليوم.
التنظيم لا يعني المركزية، ولا التنسيق يعني الطاعة. التنظيم الحقيقي هو ما ينبع من التفويض القاعدي، القابل للعزل، المتعدد المراكز، الأفقي.

لسنا ضد التنظيم، بل ضد احتكاره.
لسنا ضد التخطيط، بل ضد تسليم القرار لقيادة فوقية تقول إنها "من الطبقة".
نحن مع المجالس، الشبكات، النقابات، الفيدراليات، التفاعل، التعدد، المساءلة، والإلغاء الفوري لكل من يتحول من خادم للناس إلى سيّد عليهم.

٥. عن التجديد الحقيقي: لا جدلية في إعادة إنتاج السلطة

الكاتب يطرح نفسه مجددًا، لكنه يعيد كل أدوات القديم: الدولة، الحزب، الانضباط، المركز، القيادة، ثم يقول "نحن نفكك لا نكرر".

أي تفكيك هذا؟ هل يُفكك السجن بإعادة طلائه؟ هل يُفكك القمع بانتخابات حزبية داخل جهاز مركزي؟ هل الديمقراطية هي “انضباط طبقي” و"تنظيم طليعي"؟

التجديد لا يعني تجميل الماضي، بل تجاوزه فعليًا.
الاشتراكية ليست ترويضًا للسلطة، بل نفيًا لها.
هي ليست هندسة سلطوية محكومة بالنية الطيبة، بل انبثاق ديمقراطي جذري، من الأسفل، لا يدّعي احتكار التاريخ ولا الطبقة ولا الوعي.

الخاتمة: لا سلطة تحرر، ولا اشتراكية تنشأ من فوق

ما طُرح في هذا المقال هو محاولة دؤوبة لحماية السلطة باسم الثورة، ومصالحة الدولة باسم البروليتاريا، وتبرير الحزب باسم التنظيم.
لكننا نقولها بوضوح:

لا دولة تقود للتحرر،
ولا حزب يمثّل الشعب،
ولا انضباط يصنع الوعي.

التحرر الحقيقي هو أن تبني الجماهير أدواتها بنفسها، وتُسقط كل وسيط يدّعي تمثيلها.
وهذا ما لن تسمح به أبدًا لا الدولة، ولا الحزب، ولا المركز.