مرة أخرى مع الصديق رزكار عقراوي


طارق فتحي
2025 / 5 / 11 - 21:40     

كتب الصديق العزيز رزكار مقالا بعنوان " البابا والفاتيكان، حق إلهي أم احتكار ذكوري؟ رجال كهول يقصون النساء والشباب باسم السماء"، تكونت المقالة من قسمين أولهما "اليسار والموقف من الأديان"، وفي هذا القسم يطرح رزكار اراء جديدة وغريبة بنفس الوقت على من يعرفه، فهو شخص شيوعي خالص، وله تاريخ حافل في الحركات الشيوعية، لكن مثلما يقال فلا ثبات في هذه الحياة، انها في تغير مستمر.

يكنب رزكار ما نصه:

"لا بد من التطرق إلى رؤية اليسار الإلكتروني للدين، حيث يدعو، في الظرف الحالي، إلى تحييد الدين عن الدولة دون المطالبة بفصله تماما، مع ضمان حرية التدين والعقيدة كحق شخصي غير قابل للمساس".

هذه هي الرؤية الجديدة والغريبة في طرح رزكار، وتكاد تكون جوهر هذا القسم كله، أي انها العمود الفقري لهذا القسم، ولا نغالي إذا قلنا انها رؤية دينية، أو انها تنبع من رجل دين "متنور او متمدن"، فهو يرفض الجزء الأساس في العلمانية "فصل الدين عن الدولة"، ويستعيض عنها بمفردة "التحييد"؛ انه ليس طرحا يساريا ابدا، بل هو حتى ليس طرحا "علمانيا". ثم انه لم يقل لنا عن الصيغة او الية "تحييد" الدين، سوى إشارات الى واجب الدولة في ممارسة هذا "التحييد".

المشكلة الأكبر التي تواجهنا مع طرح رزكار هو إصراره على بقاء الدين داخل المجتمع "احترام المعتقدات الدينية لعامة الجماهير يعد جزءا من التزام الدولة"؛ والادهى والامر من كل ذلك هو "تقديم الدعم للمؤسسات الدينية بوصفها منظمات جماهيرية"!!!!!!

هناك فرق كبير بين الطرح العلماني والشيوعي لمسألة الدين، فالعلمانية التي يريد رزكار ابعادها كطرح سياسي تؤكد بشكل قاطع على قضية "فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم"، والكثير من الدول تسير على هذا الطرح، وتعيش بأمان الى حد ما، ولا تعاني من مشاكل اجتماعية او امنية الا بشكل نسبي؛ اما الطرح الشيوعي فهو يريد في نهاية المطاف "الغاء، نفي، حذف، اضمحلال، تلاشي" الدين من الوجود، فهو يعتبره قوة معرقلة لتقدم الحياة وتطورها، ويعده أحد اهم أسلحة البورجوازية والطبقات الحاكمة على مر التاريخ. وسينتهي وجود الدين بنهاية وجود الطبقات.

ينصح رزكار القوى اليسارية قائلا "ينبغي على القوى اليسارية والتقدمية أن تتجنب طرح هذا الخيار"، أي خيار العلمانية، خصوصا في البلدان "المتدينة"، او التي فيها الدين له حضور قوي؛ كان الأفضل ان يقول رزكار "اقترح على القوى اليسارية" بدلا من "ينبغي"، لأن فيها ما يشبه الامر؛ أو انها صياغة فوقية الى حد ما، هذا القول "اجتناب طرح العلمانية" هو الأكثر تراجعا في فكر الصديق العزيز رزكار، فهو لا يريد "تحييد" الدين بقدر ما يريد نفي العلمانية والغاؤها، يريد المحافظة على الدين ومؤسساته، لقد بدأ مقالته بتعزية الكاثوليك بفقدان البابا، والتهنئة باختيار بابا جديد، لماذا يا رزكار هذا الطرح؟ هل عندما يموت السيستاني او حاخام يهودي او بوذي ستعزي وتهنئ؟

"في العديد من الدول المتقدمة، مثل الدول الاسكندنافية، تراجعت الحاجة الى الدين والمؤسسات الدينية بشكل ملحوظ، نتيجة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بالإضافة الى تحقيق مستويات عالية من الامان والضمان بمختلف اشكاله"؛ في هذا المقطع ينفي رزكار كل مقالته في قسمها الأول، انه يحدد بشكل دقيق أسباب وجود الأديان، أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية مزرية، استطاعت الدول الاسكندنافية السيطرة على هذه الأوضاع، فأنحصر وجود الدين وتراجع كثيرا، ولو ان الأنظمة الحاكمة تجتهد أكثر لازالت الدين تماما، لكنها بحاجة اليه في يوم ما.

رزكار يتهرب من ذكر ان تلك الدول الاسكندنافية هي تعتمد بشكل أساس نظام حكم علماني صارم، يفصل الدين عن الدولة، وهروبه هذا ليبقي على طرحه الجديد والغريب "التحييد".

قاست وعانت أوروبا كثيرا من سيطرة الدين، قوى التنوير القادمة مع الفجر الرأسمالي قادت صراعا كبيرا وعظيما ضد سلطة البابا والكنيسة، لتحجيمه و"تحييده" وعزله وفصله عن الدولة؛ حدد توماس هوبز في أحد فصول "اللفياثان" سلطة رجال الدين مقدما بعض الحجج لذلك:

"ليس لرجال الدين سوى سلطة تعليمية، وهم لا يملكون سلطة تولي الحكم"
"ليست أفكارهم أكثر من مشورات، وليست قوانين"، يجوز سماعها دون اتباعها.
"ليس لكهنة المسيح أي حق في الإمرة".

كان ذلك في زمن لم يطالب فيه المفكرون ب "تحييد" الدين، ولا بدعم "المؤسسات الدينية"، كان عصرا تقدميا ومبهجا، كانت البورجوازية تقود ذلك الصراع، وهي من فصلت الدين عن الدولة، قبل ان تكتشف ان الدين أيضا سلعة تستطيع ان تربح من وراءه، فإعادته بشكله الأكثر بدائية، ورمته داخل المجتمعات، ليحرق ما تبقى من تلك المجتمعات.

يتبع لطفا....
رابط مقال الصديق العزيز رزكار عقراوي
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=868371