التمعش من ريع مواقع التواصل الإجتماعي


عزالدين مبارك
2025 / 5 / 11 - 20:18     

مع ظهور الأنترنات ومواقع التواصل الإجتماعي منذ أواخر القرن الماضي وانتشارها كالنار في الهشيم في الربع الأول من القرن الحالي بدأت تحولات كبيرة وغير مسبوقة على مستوى التفكير والعقل والمنظومة التربوية والعمل والإنتاج وأخلاق الناس وسلوكهم.فقد كان لهذا الإختراع العجيب الساحر تأثيرا غير مسبوق على البشرية في أي مكان من الكرة الأرضية حتى في الأرياف النائية وأعالي الجبال وأعماق البحار وحتى في السماء السابعة بما جلبه من إمكانيات فائقة في السرعة والتواصل و الإعلام حتى أصبح هناك منتوج رقمي إفتراضي واكب التطور في تكنولوجيا الحواسيب والموصلات والبرمجة. وبما أن كل منتوج له إتصال بالأيديولوجيا والإستراتيجية التي أنجبته وحددت أهدافه على المستوى المحلي والعالمي فمن يتحكم في آلياته وتطويره إنتاجا وتسويقا يمكنه من خلاله التأثير على المحيط خاصة في مجموعة الدول النامية والتي تفتقر للمعرفة التكنولوجية والأموال مما يجعلها فريسة للإختراق والإبتزاز والسيطرة عن بعد وبكلفة ضعيفة وتكاد لا تذكر. وعن طريق الأنترنات أصبح العالم قرية مترابطة الأطراف كل شيء فيها معلوم و مكشوف وعاري الأطراف بحيث لا مجال للإختباء والتفصي من المتابعة والتأثر سلبا أم إيجابا. وبما أن درجة التأثير على المجتمع والأفراد لهذه التكنولوجيات الحديثة مرتبطة أساسا بدرجة التحضر والتقدم والوعي والثقافة السائدة والبيئة العلمية والفكرية فقد تختلف نتائج هذه التأثيرات على المجتمعات وسلوكيات أفرادها على أرض الواقع وقد تكون مدمرة أحيانا نتيجة الخلخلة التي تحدثها لدى الشباب والناشئة فتظهر عادات وسلوكيات سلبية وطارئة في حالة عدم التأقلم والإستعمال المنحرف والمتطرف والجنوح للجريمة وقد يصل الأمر إلى الإرهاب ونشر الإشاعات المغرضة والأكاذيب والتعرض لأعراض الناس والتدخل في حياتهم الخاصة لابتزازهم وتحطيم إرادتهم وبهذا يكون استعمال الأنترنات ومواقع التواصل الإجتماعي والتكنولوجيا قد حاد عن أهدافه النبيلة والمثمرة كنتيجة لعقلية المستعمل المتخلفة بالنظر للبيئة المعرفية والفكرية التي يعيش فيها. وهذا ما لاحظه الدارسون لهذه المسألة في البلدان العربية التي تمتاز بحصوصية نسبة الشباب المرتفعة لديها والتي تتابع بشغف كبير المواقع الإجتماعية على منصات الأنترنات حتى غدت بالنسبة للعديد منهم إدمانا مرضيا ومعضلة حيرت علماء النفس والإجتماع. فقد أثرت هذه الثورة التكنولوجية على سلوك الشباب بالسلب فقل الإهتمام بالدراسة والعمل وازدادت عزلتهم في منازلهم وعزوفهم عن القراءة والمطالعة والتثقف ولم يعودوا يحسنون حتى الكتابة والتعبير وكأنهم يعيشون في كوكب أخر لا صلة له بالواقع. وقد زاد الطين بلة وجود مواقع تجارية وتسويقية تدر بعض فتات المال جذبت العديد من الشباب العربي ففسدت أخلاقهم حتى وصل الأمر ببعض الفتيات التعري والقيام بحركات إغرائية للرفع من وتيرة المشاهدة وتعظيم الربح. فحتى عالم السياسة فقد تأثر بذلك فأصبحت المواقع الإجتماعية سوقا مزدهرة ورائجة للإشاعات والأكاذيب والحملات الترويجية والدعاية بمناسبة الإنتخابات والإستفتاءات وحتى الدعوات للإنقلابات وإسقاط الحكومات والوزراء وتنظيم التظاهرات والإضرابات والإحتجاجات ومقاطعة السلع.كما عشش التطرف بين ثناياها ودهاليزها المظلمة والخفية لما يتيح لها من غموض في الهوية وسرية في التعاملات المشفرة حتى تبث سمومها القاتلة وترمي أحابيلها الأخطبوطية للإيقاع بالأبرياء والمغفلين والجهلة عن طريق المتاجرة بالدين والمقدس والجنس.فالبيئة العربية المتخلفة ماديا وفكريا المتجذرة في تراث خرافي أسطوري ماضوي غيبي ينبذ العقل والنقد والعلم و يعبد النقل وكل ما يقوله له شيوخ السلف دون تمحيص وتدقيق ومعرفة زيادة على انتشار الفقر والجهل والكبت الجنسي هي من جعلت التأثر بهذه التكنولوجيات الحديثة والساحرة يكون كبيرا وفاعلا حتى أصبحت هي من تتحكم في عقول الناس وتقودهم حيث يشاء خبراء الذكاء الإصطناعي عن بعد.