النظام ما بعد الأسدي
مازن كم الماز
2025 / 5 / 4 - 08:22
بينما يصر الجولاني على بناء "نظام" طائفي إبادي يقوم على القمع العاري الصلف و الغبي ، في هذه المرحلة ضد "الأقليات" تحديدًا و دائمًا ضد أي خصم فعلي أو متوهم و دون أي استعداد لتقاسم النفوذ و ما يجلبه من ثروة مع أحدٍ ، يطمح يسار النصرة إلى نظام أكثر استقرارًا يستخدم وسائل نهب و قمع أكثر احترافًا و أقل فجاجة ، إلى "نظام" طائفي ربما أكثر طائفية من نظام الأسد و استعداده الإبادي أعلى أيضًا لكنه "نظام" مستدام ، أكثر قابلية للحياة و الاستمرار من إمارة الجولاني الطالبانية الحالية ، ذات شكل و مظهر أفضل خاصةً أمام الخارج ، على الأقل شكل و مظهر ليسا أقل سوءًا من النظام الأسدي … لقد عمل نظام الأسدين على تقاسم منهوبات سوريا مع طيف ليس بالصغير من النخب الأهلية و الاجتماعية و حاول رشوة قطاعات أوسع من السوريين من مختلف الطوائف و الطبقات و بدرجات متفاوتة من النجاح و الفشل ، صحيح أن سقوطه كان نتيجة مباشرةً لمواقفه أو لاصطدامه بخارج قوي حسم موقفه تجاهه و هو ما يأخذه الجولاني بكل جدية ، الرجل يحسب مواقفه و خطواته تجاه هذا الخارج بحذر شديد عكس تمامًا انفلاته الهستيري في الداخل ، لكن الجولاني لا يظهر أية ليونة أو أي استعداد لتقاسم جزء من السلطة مع أحدٍ أيا يكن و لا يحاول أن يعدل من فظاظة و همجية "سياساته" الداخلية إن صح تسميتها بذلك … لا يريد يسار النصرة من الرجل تغيير سياساته بل فقط أن تبدو أفضل و لو قليلًا … بالنسبة لي لا أعتقد أن الحديث اليوم في سوريا ، ما يسمى اعتباطًا بسوريا ، لا يدور لا عن الحرية و لا عن العدالة … إن الهدف الفعلي الماثل أمام من يعيشون على هذه الأرض هو إيقاف المجزرة ، صحيح أن هذا يعني باختصار إسقاط النظام الفاشي و هزيمة فكره لكن هذا وحده لا يكفي … و رغم أني و بدون أدنى تحفظ أو تردد أقف إلى جانب ضحايا النظام الفاشي الطالباني لكني في الواقع لست متأكدًا من أن العلويين و الدروز و الأكراد و لا الكثير من العرب السنة أنفسهم ، و هنا أتحدث عن النخب الأهلية و عن الفقراء على حد سواء ، سيتعاملون بما يكفي من حذر مع مظلوميتهم الفعلية الممزوجة بالدماء و الأشلاء … أعتقد أن قدرنا حتى اليوم يتلخص بكلمة واحدة هي المجزرة ، يختلف الضحايا و الجلادون ، يتبادلون الأدوار ، لكن المجزرة هي ذاتها إن لم تكن تزداد سوءًا و بربرية … صحيح أن العنف الأسدي الذي عرفناه كان أكثر وظيفية من العنف الذي نشاهده اليوم و الذي يتهدد الجميع ، حتى في حماة و صيدنايا كان العنف الأسدي موجهًا نحو غاية تطويع المجتمع ، و ما عدا سنوات الابن الأخيرة ، ترافق دومًا بجزرة ما … ما عدا الأقلية التي كانت تشتغل بالسياسة و التي كان طموحها أكبر من أن يسمح لها أن تستسلم لغواية الأسد الأب و ما عدا من كانوا في قاع المجتمع و التي كان عنف الشرطة و عنفهم المضاد جزءً لا يتجزأ من صراعهم اليومي للبقاء ، استخدم النظام الأسدي الجزرة بنجاح ما لعقود مع بقية السوريين ، لكن النظام الأسدي كان على الدوام مشروع مجزرة كامن و استعداده لارتكابها كان حاضرًا باستمرار … مع الجولاني انتقلنا إلى درجة أكثر "تقدمًا" و همجية ، أصبح العنف يوميًا و بلا معنى أو غاية ، حتى العنف الداعشي الذي كان يشبه ما مارسه جنكيز خان لدب الرعب في قلوب خصومه كان رغم همجيته التي أعادتنا عقليًا و أخلاقيًا و سيكولوجيًا إلى عصور طفولة الإنسانية عندما كانت حيوانيتها طاغية ، كان عنفًا وظيفيًا و هذا ما لا يمكن و بكل أسف اتهام الجولاني به … إننا أمام عنف عبثي ، عنف لمجرد العنف ، حالة همجية تتجاوز ما عشناه من همجية حتى اليوم ، بهدف واحد هو تلذذ القاتل بالدماء … لا يحتاج الجولاني لكل هذه الأشلاء أكثر من إرضاء سادية استثنائية في التلذذ بالدماء ، عكس ضحايا حماة و صيدنايا لم يشكل الاطباء و المهندسين و الشباب و الأطفال الذين قتلهم و يقتلهم أي تهديد له و لو بشكل غير مباشر … إيقاف هذا الانحدار الجنوني نحو الهمجية ، وضع حد للمجزرة هو الأمل الوحيد لجيلنا و الجيل الذي يليه على الأقل و الهدف الوحيد الإنساني و الممكن وسط هذه القذارة و الهمجية و بين كل هؤلاء السفلة … إن قدرة كلاب الجولاني على تبرير همجيته و تسويقها مرعبة و هم الذين كانوا قبل أيام فقط من وصوله إلى قصر الشعب لا يتحدثون إلا عن الحرية و العدالة للضحايا بل و يعتبرونه ثورة مضادة و قاتل ثورتهم المتخيلة … هذا سبب كافي برأيي للتوقف عن ترداد ذلك الهراء عن الحرية و العدالة … صحيح أن هذا الفكر الفاشي سيسقط مع الجولاني لكن لا توجد أية ضمانات في أن أشكالًا جديدة منه لن تظهر ، اعتدنا في هذا الشرق أن تكون همجية طرف مبررًا لهمجية خصومه ، و لنوقف هذه المباراة و هذا التنافس في الهمجية يجب إيقاف المجزرة بطريقة تضمن ألا تعود بأشكال أخرى ربما أكثر همجية … كي أكون واضحًا و بعيدًا عن كل الهراء عن الحرية و العدالة ، شرطي الوحيد على النظام الذي سيأتي بعد نظام الجولاني الفاشي الطالباني أو على الثورة التي ستندلع في وجهه هو ألا يكون من الممكن ذبح بشر آخرين لأنهم أقرباء و أولاد من يذبح العلويين و الدروز اليوم و ربما غدًا يذبحون أي إنسان يجرؤ على مخالفتهم أو لمجرد أنهم يستطيعون فعل ذلك دون عقاب ، و لا خطف و سبي بنات من يخطف العلويات اليوم و يعتقد أن ربه قد منحه كل نساء و أوطان و ثروات العالم … يجب إيقاف المجزرة بأي ثمن ، لعل هذه تكون بداية لشيء إنساني حقًا على هذه الأرض