الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار الحزب الشيوعي العراقي
علي طبله
2025 / 5 / 4 - 09:35
رداً على مقالة الرفيق د. حسين علوان حسين المعنونة : إيضاحات بصدد مقال الرفيق د. علي طبله المحترم / 1-3
“الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار الحزب الشيوعي العراقي”
⸻
ملاحظة تمهيدية:
هذا المقال يُقدَّم من موقع بحثي وتحليلي مستقل، ويعتمد على المنهجية الماركسية في قراءة الشعارات والبرامج السياسية. لا يُعبِّر النص عن أي موقف رسمي لأي حزب أو تنظيم، بل يمثل محاولة لنقاش نقدي جدلي يستهدف تطوير أدوات التحليل الطبقي واستكشاف مآلات النضال الديمقراطي والاجتماعي في السياق العراقي.
⸻
الرفيق العزيز، تحية رفاقية وتقدير كبير لروحك النقدية ولحرصك على إثراء النقاش حول شعارات النضال الراهنة في العراق. أقدّر بصدق وضوحك في بيان موقفك وتجربتك الشخصية التي تمثل جزءًا أصيلًا من تاريخ الحركة الشيوعية العراقية، وهي شهادة تُحترم وتقدَّر.
أولًا: أهمية التحليل الماركسي المستقل
نحن نكتب هنا من موقع بحثي وتحليلي ماركسي، لا بصفتنا ناطقين أو ممثلين عن أي حزب. هدفنا هو تحليل الشعارات السياسية والبرامج النضالية وفق المنهجية الماركسية الجدلية، في محاولة للإجابة على سؤال مركزي:
هل يكفي شعار الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما صاغه الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمره الحادي عشر، كبرنامج قادر على نقل النضال الطبقي إلى مراحله العليا؟
ثانيًا: حول الدولة المدنية وحدودها الطبقية
أوضحتَ في ردك أن شعار الحزب يربط بين “التغيير الشامل” و”الدولة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية”، وأن هذا الشعار مستلهم من تراث ماركس وإنجلز في البيان الشيوعي. بلا شك، دعم الشيوعيون تاريخيًا النضالات الديمقراطية التي تفتح ثغرات في بنية الدولة الطبقية. غير أن الماركسية تحذرنا دومًا من الخلط بين النضال الديمقراطي كمرحلة ضرورية وبين الاشتراكية كهدف استراتيجي.
لينين يوضح هذا في “الدولة والثورة” قائلاً:
*“لا يمكن للديمقراطية البرجوازية، مهما توسعت، أن تلغي حقيقة أن الدولة أداة لهيمنة طبقة على أخرى.”*¹
أي أن الدولة المدنية، حتى في أفضل صورها، تظل دولة برجوازية، أي دولة طبقية تخدم مصالح الطبقات الحاكمة. ومن هنا فإن أي شعار مدني، إذا لم يرتبط بتحليل طبقي واضح يُظهِر هذه الحقيقة الجوهرية، فإنه قد يُعيد إنتاج السيطرة الطبقية بدلًا من كسرها.
ثالثًا: هل الديمقراطية طريق مضمون للاشتراكية؟
صحيح أن ماركس وإنجلز قالا في البيان الشيوعي:
*“الشيوعيون يدعمون كل حركة ثورية ضد النظام القائم، ويعملون في كل مكان من أجل اتحاد الأحزاب الديمقراطية.”*²
لكن في نفس النص شددا على أن هدف الشيوعيين ليس الديمقراطية البرجوازية في حد ذاتها، بل الدفع بهذه النضالات نحو الثورة الاجتماعية. لذلك، الماركسية لا ترى الديمقراطية هدفًا نهائيًا، بل مرحلة عابرة يُعاد عبرها تشكيل موازين القوى الطبقية.
وهذا ما يعبر عنه ماركس في “الصراع الطبقي في فرنسا 1848-1850”:
*“كل ثورة، في لحظتها الأولى، تبدو ثورة سياسية بحتة، لكن هذا الشكل يخفي جوهرها الاجتماعي الذي ينكشف لاحقًا.”*³
رابعًا: خصوصية الحالة العراقية
نعم، كما تفضلت، الوضع العراقي شديد التعقيد. الدولة الطائفية والمليشياوية، التبعية الإمبريالية، هشاشة الحركة العمالية… كلها عوامل تجعل الحديث عن تحولات ثورية فورية أمرًا شديد الصعوبة. من هنا، لا جدال في أن النضال الديمقراطي اليوم - بما في ذلك المطالبة بدولة مدنية - يمثل أداة ضرورية لتحسين شروط الصراع الطبقي.
غير أن الماركسية تلزمنا بأن نميز دائمًا بين:
• النضال المرحلي (التكتيكي) الذي يعمل على توسيع الهوامش الديمقراطية.
• والهدف الاستراتيجي (الثوري) الذي لا يمكن إلا أن يكون كسر الدولة الطبقية وإقامة سلطة العمال.
لينين حذر من مغبة استبدال الهدف الثوري بالهدف الإصلاحي حين كتب في “اليسارية الطفولية ومرض الطفولة في الشيوعية”:
*“البرنامج الانتقالي يجب أن يبدأ من المطالب الديمقراطية الفورية لكنه يجب أن يربطها دائمًا بهدف السلطة الطبقية.”*⁴
خامسًا: ما العمل؟
من منظور ماركسي بحثي، نرى أن المطلوب اليوم هو:
1. النضال الديمقراطي الجاد ضد الطائفية والمليشيات، ومن أجل حقوق التنظيم والتعبير والعدالة الاجتماعية.
2. بناء تنظيم طبقي مستقل للعمال والكادحين، حتى في ظروف بالغة الصعوبة.
3. الربط الجدلي بين هذه المهام المرحلية والهدف الاستراتيجي: تحطيم الدولة البرجوازية، مهما طال الطريق.
خاتمة
رفيقي العزيز، إن النقاش الذي نفتحه هنا لا يستهدف إطلاقًا التشكيك في أهمية النضال الديمقراطي، بل يسعى إلى وضع هذا النضال في سياقه الطبقي الصحيح. شعار الدولة المدنية الديمقراطية مهم كنقطة انطلاق، لكنه لا يمكن أن يكون نهاية الطريق إذا كنا نلتزم فعليًا بالمنهج الماركسي.
بهذا المعنى، نؤكد أن كل نضال ديمقراطي يجب أن يُستخدم لبناء وعي طبقي وتنظيم طبقي مستقل، وإلا تحوّل إلى مجرد تحسينات شكلية داخل النظام القائم.
رفاقيًا،
د. علي طبله
⸻
المراجع:
1. لينين، الدولة والثورة (1917).
2. ماركس وإنجلز، البيان الشيوعي (1848).
3. ماركس، الصراع الطبقي في فرنسا 1848-1850.
4. لينين، اليسارية الطفولية ومرض الطفولة في الشيوعية (1920).
—————————————————————————
ملاحظة ختامية
إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.
كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.