علاقة المذهب المسيحي البروتستانتي بالصهيونية


الطاهر المعز
2025 / 5 / 2 - 12:20     

كتبتُ تعليقًا بشأن علاقة البروتستانتية بالصهيونية ( من منطلقات دينية في بداياتها) وعلاقة كلتَيْهما باليمين المتطرف والفكر الإستعماري، وعارض بعض الأصدقاء ما كتبتُهُ وفيما يلي بعض التوضيحات المُقتَضَبَة

تُشير العقيدة المسيحية إن اليهود اقترفوا إثما فطردهم الله من فلسطين، إلى بابل التي تُمثل منفاهم، ولم توجد إشارات إلى "عودة اليهود إلى فلسطين" لدى الكنيسة المسيحية قبل ظهور ما سُمِّيَ "عهد الإصلاح" الذي تزعّمه مارتن لوثر ( 1483 – 1546 ) بألمانيا الحالية، ثم جان كالفين (سويسرا/فرنسا 1509 – 1564 )

كان مارتن لوثر إصلاحيا جريئًا ثار ضدّ تحالف قادة الكنيسة مع الأثرياء، وكان في بداية دعوته ( كتاب "عيسى وُلِدَ يهوديًّا" سنة 1523 ) يعتبر اليهود "أبناء الله" وأدان اضطهاد الكنيسة لليهود، لكنه يدعو إلى "تَمْسِيحِهم"، وكتب " “إن الروح القدس شاءت أن تُنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود، وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب، ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب، التي تأكل من فتات مائدة أسيادها"...

بعد حوالي عشرين سنة، أصبح مناهضًا لليهود، عندما راجت الأنباء القائلة إن اليهود كانوا يجمعون الأنصار لعقيدتهم، من خلال حركة المسيحيّين المتشددين، بدلًا من أن يَرْتَدُّوا للمسيحية، ويظهر ذلك في مؤلفه " اليهود وأكاذيبهم" سنة 1544، حيث كال لهم الشتائم والتُّهَم التي كانت سائدة آنذاك، وأعلن إن ديانتهم اليهودية أصبحت وَثَنِيّة، ولذا وجب إحراق وتدمير معابدهم ومساكنهم، واعتبرهم ليسوا في بلادهم في أوروبا، وإنما منفيون (في المنفى) ويجب أن نتخلص منهم عبر مُساعدتهم على "العودة إلى أرضهم في يهوذا ونُيسِّرَ رحيلهم ونزوِّدهم بما يحتاجونه خلال الرحلة... يجب أن نتخلص منهم فهم بَلاء وعبء ثقيل علينا..."

أثارت البروتستانتية، منذ مارتن لوثر، مسألة “العودة اليهودية” إلى فلسطين، جراء التفسير الحرفي للتوراة ( العهد القديم) التي تشير إلى “أحَقِّيّة عودة اليهود إلى وطنهم” ( أرض فلسطين) وأن يمكثوا بها "حتى يظهر المسيح ويحكم العالم لألف عام سعيد" حسب التوراة، وبذلك اعتبر البروتستانت فلسطين أرضا تاريخية لليهود، ووجبت مساعدتهم لاسترجاعها، وتمثل هذه الأفكار الأُسُس العقائدية والتّبْريرات الدّينية للمسيحية الصهيونية...

كانت أفكار مارتن لوثر بمثابة تمهيد لترويج التّأويل اليهودي للعهد القديم لدى الرّأي العام المسيحي، وارتباط عودة المسيح الثانية ونهاية العالم بعودة اليهود إلى فلسطين...

تضمَّنت أفكار مارتن لوثر تناقضات عديدة، تراوحت بين الثورة على الأساطير اللاّهوتية التي أفسدت العقيدة المسيحية، وخيبة أمله من اليهود الذين كان يأمل باعتناقهم الدين المسيحي، ثم عبَّرَ عن قناعته بأن ذلك لن يتم سوى بعودتهم لفلسطين التي سوف تُعجّل بعودة المسيح، وعند ذلك يسجدون له ويعلنون مسيحيتهم، وجعل المذهب البروتستانتي، منذ بداياته، من العهد القديم المرجع العقائدي الأول للمسيحية، والإعتقاد بأن عودة اليهود إلى فلسطين تمثل شرطا مسبقا لظهور المسيح...

أكّد الباحث جوزيف مسعد ( عربي 21 بتاريخ 11 أيار 2020) إن مبادئ حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، كانت بمثابة الأساس العقائدي ( الإيديولوجي) للخطط الإستعمارية البريطانية ( منذ بداية القرن التاسع عشر) وخطط المتعصبين الأنغليكانيّين و "جمعية لندن لتعزيز المسيحية بين اليهود" (تأسست سنة 1809 لتحويل اليهود إلى البروتستانتية وتشجيع هجرتهم إلى فلسطين...

صدر سنة 2021 عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار”، كتاب “معنى إسرائيل” لمؤلفه يعقوب م. رابكِنْ، ترجمه عن الإنكليزية الكاتب حسن خضر، ويؤكّد المؤلف وهو مؤرخ وباحث ومُدرّس يهودي بجامعة مونتيريال، "إن منبت الصهيونية بروتستانتي، وليس يهوديا، لأن اليهـود لم يُعـرَّفوا تاريخيا كعـرق، ولا كشـعب ينتسـب إلى بلد معين، أو إلى نظـام سياسـي، أو كشـعب يتكلّـم اللغـة نفسـها، بـل كجماعات يهوديـة لا يربطها سوى التزامها بالتـوراة، إلى غاية ظهور الصهيونية في أوروبا التي ابتدعت رَفْض اندماج اليهود في أوطانهم وداخل شعوبهم، ولاقت هذه الفكرة معارضة من قِبَل معظم التيارات اليهودية، ودعما من بعض التيارات البروتستانتية الأصولية التي كانت في بدايتها تعتبر تأسيس "دولة إسرائيل" تجسيدا لنبوءات الكتاب المقدس المُبشِّرة بمجيء المسيح المخلص إلى الأرض، وبالتالي وجب الدفاع عن حق اليهود بوطن قومي، قلبل أن تتحول إلى تيار إيديولوجي وسياسي عُنصري واستعماري يدعم حروب حلف شمال الأطلسي والإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني بشكل مُطلق...