قانون الكلب
محمد حبش كنو
2025 / 5 / 2 - 00:25
( قانون الكلب )
في أواخر القرن التاسع عشر تحولت المجتمعات من النظام الاقطاعي الذي يعتمد على الزراعة إلى البدء في الدخول إلى النظام الرأسمالي ومع تطور العصر الصناعي في القرن العشرين تبلورت الرأسمالية في الغرب بشكل أكثر وضوحا وقوة وتنظيما .
ظهرت اشكاليات عدة في هذا النظام فيما يخص طبقة العمال التي تعمل وتشقى من أجل لقمة العيش بينما تزداد ثروة صاحب رأس المال فيعيش رفاهية كبيرة على حساب جهد العاملين وهنا بدأت الأفكار الاشتراكية تنتشر فخرجت نظريات ماركس وغيره ودعوا إلى الثورة على النظام الرأسمالي .
على إثر ذلك تبنت روسيا الفكر الاشتراكي وخرجت الثورة من هناك وأصبح العالم أمام معسكرين متضادين المعسكر الشرقي السوفيتي الاشتراكي والمعسكر الغربي الرأسمالي وبدأ صراع النفوذ حول العالم .
الرأسمالية طورت نفسها منذ ذلك الحين حتى لا تقوم ثورات اشتراكية في بلدانها وعليه تم حقن الرأسمالية وتطعيمها بكثير من الأفكار الاشتراكية فأصبح العامل يتمتع بالضمان الصحي والاجتماعي والتعويض عن الضرر وساعات عمل محددة وقوانين كثيرة حمته من التوحش الرأسمالي وهكذا تطورت المجتمعات الغربية .
الإشتراكية غرقت في الفساد والدكتاتورية والسرقة والفشل الاقتصادي وبدل أن تحمي العامل جعلته مجرد خادم في سلطة الدكتاتور يعمل له ليلا نهارا ولا يجني سوى شعارات فارغة صدعت المجتمعات الاشتراكية على مدى عقود وذهب ضحيتها ملايين الأشخاص حتى وصل عدد من ماتوا جوعا في الصين إلى خمسين مليونا قبل أن تصحو هي نفسها من غفلتها وتطعم نظامها الاشتراكي بالنموذج الرأسمالي .
الفكرة المهمة تبدأ من القاعدة التالية وهي قاعدة الكلب فالرأسمالية اعتمدت نظام شبع شعبك يتبعك المستمدة من قانون شبع كلبك يتبعك أما الاشتراكية فتبنت نظام جوع شعبك يتبعك والمندرجة تحت بند جوع كلبك يتبعك .
كانت برلين خير نموذج لهذين النظامين فبينما أغرق الغرب سكان برلين الغربية بالرفاهية والحرية أغرق السوفييت برلين الشرقية بالجوع والشعارات والقمع والتنكيل وهكذا هرب ملايين الأشخاص من ألمانيا الشرقية إلى الغربية زحفا وحبوا حتى أن سكان ألمانيا الشرقية في تناقص منذ ذلك الحين .
الأنظمة التي دارت في فلك الإتحاد السوفيتي اتبعت نفس النموذج مثل نظام عبدالناصر الذي أغرق المصريين في المجاعة بعد رفاهية العصر الملكي أما أسوأ نموذج في الشرق الأوسط فكان النموذج الأسدي الذي حاصر الشعب وجوعه وقطعه عن العالم حتى أصبح الشعب يلهث من أجل لقمة العيش ومن يحصل على سيارة كان يعتبر من الأغنياء المرفهين .
الأنظمة الاشتراكية تبنت فكرة الزعيم الإله الذي يجب أن يموت الشعب كله من أجله وهكذا ظهرت الاعتقالات والقتل والتدمير والسحق فكان نظام صدام الذي دفن عشرات الآلاف أحياء في صحراء السماوة في العراق فيما يسمى بعمليات الأنفال وكان نظام الأسد الذي دفن سكان حي التضامن في حفرة وأشبعهم رصاصا ثم أحرقهم كأنهم نفايات وليسوا بشرا من لحم ودم .
في وجهها الآخر تعتبر حرب بوتين على أوكرانيا خوفا من الديمقراطية والحرية التي اقتربت من حدوده حين انتخب الأوكرانيون رئيسا مدنيا بشكل حر ونزيه على عكس ما يعتقد البعض بأن الحرب بسبب اقتراب أسلحة الناتو من حدوده فالناتو يحيط بروسيا منذ زمن سحيق والدكتاتور لا يخشى السلاح بل يخشى اقتراب الديمقراطية والحرية من مضاربه ولذلك كان بوتين يكرر قبل الحرب بأن الديمقراطية الغربية لا تناسب كل الدول .
يقول ويل ديورانت في كتابه عبر التاريخ وهو ملحق بكتاب قصة الحضارة :
إن الديمقراطية الرأسمالية قد لا تكون مثالية وفيها نواقص كثيرة لكنها أفضل ما أنتجته البشرية حتى اليوم .