ربة البيت: عاملة بلا أجر في وطن لا يعترف بها
الشهبي أحمد
2025 / 5 / 2 - 00:14
في دولة تُبجِّل أوراشها الكبرى، وتُراكم دراسات الجدوى في رفوف الوزارات، لا أحد توقّف ليسأل: من يلمّ فوضى الحياة اليومية بينما أنتم تخططون لـ"نموذج تنموي" لا يتسع حتى لمنديل مطبخ؟ من يشتغل دون أوراق، دون أجرة، دون اعتراف قانوني، دون حتى مجرّد ذكر في لوائح الإحصاء؟ إنها "ربة البيت"، أو كما تسميها الدولة: "بدون".
اللافتة التي ظهرت في الصورة، والتي كتب عليها "الشقا حتى هو خدمة"، ليست شعارًا نضاليًا قدر ما هي بلاغ رسمي صادر من الهامش، من تحت طاولة الحكومة، من حوض المطبخ الذي نسيته السياسة العمومية. تقول اللافتة ما لا يقال في خطب الوزراء: أن هناك قطاعًا غير مهيكل، غير مدفوع، غير مؤمّن عليه، هو العمود الفقري للحياة الاجتماعية... اسمه: الشغل المنزلي غير المؤدى عنه.
عقد البلد: 0 درهم.
هذا ليس نكتة، بل رقم السياسة الصمّاء. الدولة، بكل جلالة قدرها، لا تعترف بهذا العمل ضمن الناتج الداخلي الخام، ولا تُدرجه في إحصائيات التشغيل، ولا تُخصّص له برامج دعم أو حماية أو حتى نية في الاعتراف. المرأة التي تُدير أسرة، تُربّي أطفالًا، تنظّف، تطبخ، ترعى، تُسهِر، تُداوي، هي في نظر الدولة "غير نشيطة اقتصاديًا". تخيّلوا الوقاحة.
في برامج التنمية البشرية، نقرأ عن تمكين النساء، عن محاربة الهشاشة، عن الإدماج السوسيو-اقتصادي، لكن لم نرَ قط بندًا يتحدث عن العدالة لربّات البيوت. والسبب بسيط: لأن الدولة تعتبر أن ما يتم داخل الجدران الأربعة لا يعنيها، كأن هذه الجدران ليست هي الأساس الذي تقوم عليه بيوتها ومكاتبها ومشاريعها.
ليست المشكلة في الزوج – هذه المرة – بل في مؤسسات تُكرّس الإقصاء تحت شعارات تنموية براقة. الدولة التي تحتفل بعيد الشغل ولا توجه حتى رسالة رمزية لهؤلاء النساء، لا تعاني من النسيان بل من التجاهل المقصود. هي تعلم، لكنها لا ترى فيهن ناخبات محتملات، ولا يد عاملة تُجلب بها الاستثمار، فتمحوهن من كل خطاب.
نحن أمام اقتصاد خفي، تُدار فيه الملايين من ساعات العمل سنويًا دون احتساب. لكن من يهتم؟ الدولة مشغولة بدعم سيارات الأجرة الكبيرة، وبرسم استراتيجيات فلاحية لا تصل إلى مطابخ النساء اللواتي يطهون تحت خط الفقر. أما "الشقا"، فليبقَ شأنًا داخليًا، تُعالج تبعاته بالدعاء وصبر أيوب.
والمفارقة المريرة أن أرقى مهنة على الإطلاق، لا تجد لها بندًا في موازنات الدولة ولا اعترافًا في دفاتر الحقوق. "ربة البيت" ليست خادمة، بل عماد أساسي في بناء أجيال متزنة نفسيًا، إنسانيا، وقيميًا. حين تكون المرأة مستقرة في بيتها، مؤمنة بقيمتها، مدعومة من الدولة، محمية بحقوقها، فإنها تصنع مجتمعًا سليمًا من الجذر، لا يحتاج إلى مراكز تأهيل، ولا إلى إعادة إدماج.
لكن من أين للدولة أن تفهم هذا؟ كيف يمكن لمن لا يرى في الإنسان سوى رقم في البطاقة الوطنية أن يعترف بعمل لا يُدرّ عليه ضريبة ولا صوتًا انتخابيًا؟ وهكذا تستمر المهزلة: المرأة التي تصنع الوطن من الداخل، تُعامل كأنها عاطلة، في وطن لا يملك حتى الشجاعة ليعترف بفضلها.
في النهاية، ما يُطلب من هذه الدولة ليس أن تمنّ على النساء، بل أن تخجل من صمتها، أن تخرج من المكاتب المكيفة وتدخل إلى مطبخ الوطن الحقيقي، حيث تُطهى الحياة وتُربّى الأجيال... بلا أجر، بلا قانون، وبكثير من الكرامة المنهكة.