عيد العمال العالمي… وحقوق المواطنين


فاضل الحليبي
2025 / 4 / 30 - 13:17     


يأتي عيد العمال العالمي الأول من آيار/ مايو هذا العام والأوضاع المعيشية في تدهور مستمر، ليس للعمال والكادحين فقط بل لسائر المواطنين أصحاب الدخل المحدود، كنتاج السياسات الخاطئة المتبعة منذ سنوات حيث تسير الحكومة على النهج النيولبيرالي الذي لا وجود للعدالة الاجتماعية والمساواة في قاموسه، نهج مدمر يخلق الطبقية في المجتمع، ويزيد الفقراء فقراً ويوسع بين فئات الشعب، وتزداد آفات البطالة في أوساط المواطنين ليس الشباب منهم فقط بل أصحاب أُسر مسؤولين عن إعالة عوائل كثيرة في المجتمع (قوائم المحتاجين في تزايد لدى الجمعيات الخيرية وغيرها). الرواتب المتدنية لا تكفي، ولا معاش المتقاعد يغطي المصاريف الضرورية والبسيطة، واقع مرير يعيشه المواطنون، وسوف يزداد سوءاً عندما تتوجه الدولة نحو رفع الدعم عن الكهرباء والماء والطاقة (البترول والغاز) ورفع الرسوم الحكومية وزيادة الضرائب، والتوجه نحو الخصخصة في القطاع العام سيفقد الكثيرين من المواطنين وظائفهم أو تخفَّض رواتبهم. نحن نعيش في بلاد غير منتج أو صناعي، يشكل النفط والغاز 8% من الدخل الوطني، وسعر البرميل يعتمد على السوق، ومقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي، فإن البحرين الأقل إنتاجاً، ولازال التنقيب عن اكتشافات جديدة للطاقة مستمراً، نسمع ضجيجاً ولانرى طحيناً. كانت البحرين المركز المالي الأهم في المنطقة، حيث استفادت منه البلاد في منتصف السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، بعد نشوب الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وانتقال معظم بنوك الأفشور والبنوك التجارية إلى البحرين، ولم يعد الوضع اليوم مثل السابق، حيث انتقل العديد منها إلى دول المنطقة وهي تقوم بنفس الدور وأكثر، كما أن السياحة ليست بالشكل المطلوب لتكون مصدر دخل آخر.صحيح بأن الإنسان البحريني قادر على الإبداع والعطاء في العديد من الميادين والمجالات إذا توفرت له الفرص والإمكانيات فإنه يحقق نتائج إيجابية، وهناك شواهد عديدة على ذلك، ولكن المعوقات تقف عائقاً أمام طموحات الشباب وتطلعاتهم ومستقبلهم، وكمثال على ذلك، يقال إن عدد الأطباء البحرينيين العاملين في بريطانيا حالياً حوالي ثلاثمائة طبيب وطبيبة في تخصصات مختلفة، أما كان الأجدر بأن يعملوا في وطنه، ولكن من المؤسف الوطن لا يتسع لأبنائه، حيث فضَّلوا عليهم الأجانب.الميزانية المُمررة نيابياً انتقاص من حقوق الناسبلغ الدين العام للبلاد 22.5 مليار دينار، بعد أن كان 18 مليار دينار بمواقفة أعضاء مجلس النواب على 4.5 مليار دينار في جلسة مجلس النواب يوم الثلاثاء الموافق 25 مارس 2025، التي صوَّت فيها النواب لصالح ميزانية 2025/2026، محققين للحكومة رغبتها.سائر التقدميين ومعهم الأصدقاء وغيرهم من المواطنين كانوا يمنون النفس بأن يكون موقف رفاقنا في “كتلة تقدّم” موحداً في رفض الميزانية التي طرحت على جدول أعمال المجلس في فجر ذلك اليوم، كانت الحكومة في عجلة من أمرها تريد تمرير الميزانية بشكل سريع، بعد تأخير ثلاثة أشهر، وإذ يفترض عرضها على اللجنة المالية من شهر أكتوبر 2024، يكون التأخير أكثر من خمسة أشهر، وهي ميزانية تنتقص أهمّ حق من حقوق المواطنين، وهو إعادة الزيادة السنوية 3% للمتقاعدين، وهو حق مكتسب تم إلغاؤه منذ أكثر من أربعة أعوام، وكان موقف رفاقنا في “كتلة تقدّم” الموحد في رفض قرض 4.5 مليار دينار لزيادة الدين العام إلى 22.5 مليار دينار مشرفاً، ذلك أن أولى أولوياتهم كممثلين للشعب هي الدفاع عن حقوقه والعمل على تحقيق مطالبه المشروعة، ما يتطلب الرفض القاطع والحازم للنهج النيولبيرالي الذي أصبح يحكم عمل الحكومة في تنفيذ أجندتها الداخلية. إن تزايد الدين العام يجب أن تتحمل مسؤوليته الحكومة أولاً وقبل كل شيء من خلالالتصدي للفساد والفاسدين وسارقي المال العام في الحكومة، وثانياً بعدم دعم الشركات الفاشلة والتي تقدر خسائرها السنوية بملايين الدنانير.ويمكن العودة إلى تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية التي تصدر سنوياً لمعرفة حجم الفساد في الوزارات والهيئات الحكومية، وعندما يتمّ التصدي لآفة الفساد يمكن أن يتعافى الجسد من المرض، ويحفظ المال العام ويصان، بعدها لن تحتاج إلى قروض مالية لترفع سنوياً الدين العام، والفوائد المالية المترتبة عليه والمقدرة بملايين الدنانير، الشفافية مطلوبة في برنامج الحكومة وإلى أين تسير بالبلاد والعباد. عودة إلى موضوعنا عن عيد العمال العالمي الأول من مايو، الذي أصبح عطلة رسمية في البلاد والذي يحتفل به علناً من قطاعات واسعة في المجتمع، بعد أن كان يُحتفل به بالسر في الماضي، فقد تأسَّست النقابات العمالية والمهنية في عام 2002 المدافعة عن حقوق ومطالب العمال والكادحين، وجاءت هذه المكاسب بفضل تضحيات الرواد الأوائل من النقابيين الذين قضوا ريعان شبابهم في السجون والمنافي وتمَّ فصل العديد منهم من العمل، وكثيرون مهم هم اليوم بدون تأمين اجتماعي، وحُرِمَ آخرون من الحصول على وحدات سكنية من وزارة الإسكان، وغيرها من الممارسات التعسفية، هؤلاء هم من كانوا يرددون في التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات العمالية في عام 1972 شعارهم الأثير “الوحدة الوحدة ياعمّال” بصدق وإخلاص، لم تدخل نفوسهم العصبيات العرقية والمذهبية والطائفية البغيضة، كانوا معاً في وحدة عمالية صلبة وقوية يفرضون المطالب العمالية على الشركات والمؤسسات. الواقع العمالي اليوم واقعٌ مزري، أصبحت المصالح الشخصية هي التي تسيّره، وبعض من يتصدرون قيادة العمال والعمل النقابي، أصبحوا جزءاً من “السستم” الرسمي، لا ينتصرون لحقوق ومطالب العمال والنقابات عندما تدق الساعة، والشواهد عديدة، يجرجرون النقابيين إلى مراكز الشرطة والمحاكم بدعاوى كيدية من قِبل بعض الرؤساء التنفيذيين لشركات معروفة في البلاد ولا تقف الاتحادات النقابية معهم، بل تقف مع تلك الشركات وتعمل على خلق بدائل لنقاباتهم العمالية القائمة، حدث في أكثر من شركة، وكأن تضحيات الروَّاد الأوائل من النقابيين ذهبت هباءًا منثوراً.بالرغم من هذا الواقع الصعب على النقابيين المخلصين للطبقة العاملة البحرينية وسائر الكادحين توحيد صفوفهم وتصحيح ذلك المسار الخطير في الحركة النقابية، فالوحدة العمالية يجب أن تكون الهدف الأسمى والأبلغ لتحقيق المطالب النقابية المشروعة.