قراءة نقدية علمية ماركسية لأسئلة د. طلال الربيعي على ردي السابق له


علي طبله
2025 / 4 / 27 - 00:24     

حول شعار إسقاط المحاصصة والعملية السياسية:

قراءة نقدية علمية ماركسية لأسئلة د. طلال الربيعي
(تجدون تعليق د. طلال الربيعي على مقالتي السابقة ضمن التعقيبات على المقابلة)

أشكرك على الجهد المبذول للرد على مقالتي السابقة وعلى النقاط التي طرحتها، والتي أعتبرها قيمة للغاية في فتح الحوار وتوسيع النقاش حول قضايا معقدة وحاسمة


مقدمة

يثير الدكتور طلال الربيعي تساؤلات هامة تتعلق بطبيعة الشعار السياسي، آليات التغيير، ومنهجية نقد الأخطاء.
هذه التساؤلات، رغم طابعها الإشكالي، تفتح باباً ضرورياً لتمحيص المفاهيم اليسارية اليوم.
في هذا الرد، نعالج هذه الأسئلة ضمن إطار ماركسي مادي تاريخي علمي، مع اعتماد نظام شيكاغو في الإحالات والتوثيق.



أولاً: حول شعار “إسقاط المحاصصة والتبعية للأجنبي” مقابل “إسقاط العملية السياسية”

الشعار السياسي يجب أن يوازن بين الراديكالية والواقعية.
القول بإسقاط المحاصصة والتبعية يركز على جوهر العملية السياسية، لكن القول بإسقاط العملية السياسية يبدو أوضح وأشد راديكالية.
ومع ذلك، كما أشار أنطونيو غرامشي، الشعارات يجب ألا تكون صحيحة فقط من الناحية النظرية، بل قادرة أيضاً على التحشيد التعبوي الواقعي¹.

يجب أن يكون الشعار أداة لربط التحليل العلمي بالقدرة الجماهيرية على الفعل السياسي.



ثانياً: لا يمكن فصل المحاصصة عن العملية السياسية

المحاصصة الطائفية والإثنية ليست عرضاً طارئاً بل جوهر العملية السياسية التي فرضها الاحتلال الأمريكي منذ 2003.
لذا، لا معنى لإسقاط المحاصصة دون إسقاط كامل للبنية السياسية التي أنشئت عليها.

وفقاً لتكتيكات لينين الثورية، لا بد أن تتطابق الشعارات المرحلية مع المضمون التاريخي للصراع الطبقي².



ثالثاً: إعادة صياغة الذات عبر الصراع الجدلي

يناقش د. الربيعي سؤالاً مركزياً: كيف يعيد الحزب الثوري صياغة نفسه؟
الإجابة الماركسية الكلاسيكية:
• الذات الثورية تُعاد صياغتها عبر صراعها مع الموضوع التاريخي، وليس بانعزال ذاتي متأمّل.

كما أكد ماركس في أطروحاته على فويرباخ، التغيير يتم عبر العمل الاجتماعي الواعي، لا عبر التأمل النظري³.



رابعاً: الاعتراف بالخطأ ليس نهاية بل بداية

في الفكر الماركسي، الاعتراف بالخطأ لا يكفي، بل يجب أن يقترن بخطة عمل لتجاوزه.
لينين شدد على أن الاعتراف النظري دون ممارسة ثورية ملموسة هو شكل من أشكال التحلل الفكري⁴.

الثورات لا تنتظر اعترافات من القيادات الفاشلة بل تخلق قياداتها الجديدة عبر النضال.



خامساً: ملاحظات فلسفية: مقص أوكام وغودو في ضوء التحليل الماركسي

أدخل د. الربيعي استعارتين لافتتين:
• مقص أوكام: مبدأ فلسفي يعود لوليام أوكام، يقول “لا ينبغي الإكثار من الفرضيات بلا ضرورة”، داعياً لاختيار أبسط تفسير متاح⁵.
• عودة غودو: إشارة إلى مسرحية صمويل بيكيت حيث ينتظر الشخصيات خلاصًا لا يأتي أبداً، رمزاً للانتظار العبثي⁶.

يحذر الربيعي من الإفراط في التفسيرات المعقدة (مقص أوكام)، ومن السقوط في الانتظار العقيم (غودو).

لكن التفسير الماركسي يطرح تحفظاً أساسياً:
• مقص أوكام لا يصلح دائماً للتحليل الطبقي: فالتاريخ البشري مركب، والتناقضات الطبقية تتشابك بعوامل اقتصادية وسياسية وأيديولوجية.
كما كتب لينين: “الحقيقة دائمًا ملموسة لا تجريدية”⁷.
• غودو ليس بديلاً عن الفعل الثوري: رفض الانتظار السلبي يجب أن يقترن ببناء البدائل التنظيمية القاعدية، لا بمجرد تبني مواقف عدمية.

باختصار: الواقعية النقدية مطلوبة، لكن يجب ألا تتحول إلى تبسيط اختزالي يحجب التحليل المادي الجدلي.



سادساً: تروتسكي والثورة الدائمة

أضاف ليون تروتسكي بُعدًا عميقًا للماركسية عبر مفهوم الثورة الدائمة:
• الثورة تبدأ وطنية لكنها سرعان ما تتحول أممية تحت ضغط الرأسمالية العالمية⁸.

الاستفادة من منهجه لا تعني تبني كل مواقفه، بل تكريس فهم متجدد لدينامية الثورة في عالم مترابط.



سابعاً: دروس معاصرة تؤكد استمرارية اليسار

تجارب أمريكا اللاتينية (فنزويلا، بوليفيا، البرازيل)، فرنسا (السترات الصفراء)، والعراق (انتفاضة تشرين) تؤكد أن الصراع الطبقي لم ينته.

اليسار الماركسي لم يمت، بل يحتاج إلى تجديد أدواته الخطابية والتنظيمية كي يكون معبراً حقيقياً عن مطالب الجماهير.

كما كتب روزا لوكسمبورغ: “الاختيار ليس بين الاشتراكية والرأسمالية، بل بين الاشتراكية والهمجية”⁹.



خاتمة

النقد الصارم ضروري، ولكن التغيير لا ينتظر اعترافات قد لا تأتي.
لا مقص أوكام ولا غودو يمكن أن يعوضا عن بناء القوة الطبقية القادرة على الفعل الواعي.

الماركسية اليوم، كما الأمس، أداة تحليل وتحريض وتغيير.
علينا أن نبني يسارًا ماركسيًا جديداً، ناقداً لنفسه ومتصالحاً مع نضال الطبقات الشعبية من أجل الحرية والعدالة.



المراجع (نظام شيكاغو)
1. Gramsci, Antonio. Selections from the Prison Notebooks. International Publishers, 1971.
2. Lenin, V. I. Two Tactics of Social Democracy in the Democratic Revolution. Collected Works, Vol. 9. Moscow: Progress Publishers, 1962.
3. Marx, Karl. Theses on Feuerbach, 1845.
4. Lenin, V. I. Left-Wing Communism: An Infantile Disorder. Moscow: Progress Publishers, 1964.
5. William of Ockham. Summa Logicae, c. 1323.
6. Beckett, Samuel. Waiting for Godot. Grove Press, 1954.
7. Lenin, V. I. Materialism and Empirio-criticism. Progress Publishers, 1960.
8. Trotsky, Leon. The Permanent Revolution. Pathfinder Press, 1978.
9. Luxemburg, Rosa. The Crisis of German Social Democracy (The Junius Pamphlet), 1915.
——————————————
تنويه للقراء:
ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل