حول اطروحات د. طلال الربيعي على مقالتي: العصبيات والعداء لايران
علي طبله
2025 / 4 / 26 - 07:14
السيد الدكتور طلال الربيعي المحترم،
(طروحات د. طلال الربيعي تجدوها في التعليق على مقالة: العصبيات والعداء لايران: من منظور ماركسي)
أشكرك على تخصيصك الوقت والجهد للرد على مقالتي السابقة وعلى النقاط التي طرحتها، والتي أعتبرها قيمة للغاية في فتح الحوار وتوسيع النقاش حول قضايا معقدة وحاسمة.
أود أن أتناول بعض النقاط التي ذكرتها بشكل مفصل، وأقدم الرد من منظور ماركسي، حيث إنني أؤمن بأن النقاش حول هذه القضايا يجب أن يكون محكوماً بالمبادئ الماركسية الثابتة، التي تضع مصالح الطبقات الكادحة والشعوب في القلب، بعيداً عن أي تأويلات سياسية قد تلتف على الواقع الفعلي.
⸻
1. موقفك من الهجوم الأمريكي أو الإسرائيلي على إيران وحق إيران في امتلاك الأسلحة النووية
أنت محق في تأكيدك على حق إيران في امتلاك الأسلحة النووية كحق سيادي، ولكن من وجهة نظري الماركسية، يجب أن نضع هذا الموقف في سياق أوسع من مجرد المعادلة الثنائية بين “الحق في امتلاك الأسلحة” و”حق إسرائيل في امتلاكها”. موقفنا الماركسي لا يقتصر فقط على دعم الدول في امتلاك الأسلحة أو معارضتها بناءً على هذا الحق السيادي، بل يتعين أن يرتبط هذا الموقف بطبيعة النظام السياسي السائد في كل دولة، ومدى التزامه بمصالح الطبقات الكادحة في الداخل.
إيران، رغم بعض شعاراتها ضد الإمبريالية، تتحكم فيها فئات أوليغارشية تتبنى سياسات اجتماعية تضر بمصالح الفئات الفقيرة. في الوقت نفسه، إيران تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع قوى إمبريالية في بعض السياقات. هذا الواقع يعكس الطبيعة المتناقضة لنظامها السياسي. لذلك، العداء للإمبريالية لا يكفي أن يكون شعاراً، بل يجب أن يترجم إلى سياسات تحررية ترفع مصالح الشعب الإيراني في مواجهة الاضطهاد الداخلي والاستغلال الخارجي.
⸻
2. العداء للإمبريالية يجب أن يقترن بالانتصار للمحرومين والحريات
أنت تطرح نقطة مهمة، وهي ضرورة أن يرتبط العداء للإمبريالية بالدفاع عن الحقوق والحريات العامة، وهو أمر لا يمكننا إلا أن نتفق عليه. في الواقع، العداء للإمبريالية، من منظور ماركسي، لا يعني فقط مقاومة القوى الاستعمارية أو الهيمنة الغربية، بل يجب أن يرتبط بشكل مباشر مع النضال من أجل حقوق الطبقات المحرومة. في هذا السياق، أعتقد أن الثورة يجب أن تهدف إلى تحرير الشعوب من نير الاستغلال المحلي والخارجي معاً، وبناء مجتمع يقوم على العدالة الاجتماعية، الديمقراطية الحقيقية، والمساواة بين جميع الأفراد.
في حالة إيران، كما في العديد من الأنظمة التي تدعي العداء للإمبريالية، نرى أن هذا العداء يتحول في كثير من الأحيان إلى أداة لتبرير القمع الداخلي. إن الحديث عن الحريات والمساواة لا يجب أن يقتصر على الخارج، بل يجب أن يكون محققاً داخل حدود الدولة نفسها، حيث تظل الفئات المهمشة والمحرومة تعاني من الإقصاء والتهميش، بما في ذلك النساء والمستضعفين في المجتمع.
⸻
3. الدين في خدمة الناس
أوافقك تماماً في تأكيدك على أن الدين يجب أن يكون في خدمة الناس، وليس أداة لتبرير قمعهم. من منظور ماركسي، نرى أن الدين في المجتمعات الطبقية يُستخدم في كثير من الأحيان كأداة للهيمنة والتلاعب. في إيران، كما في العديد من الأنظمة الاستبدادية الأخرى، يتم توظيف الدين لإضفاء الشرعية على السلطة الحاكمة، بل وأحياناً يُستخدم كأداة لتبرير قمع المعارضة. بينما نحن نؤمن بحرية المعتقد الديني لكل فرد، يجب أن يكون الدين بعيداً عن السياسة، بحيث لا يُستخدم لتبرير الاستبداد أو تقييد حقوق الناس.
نعتقد أن المجتمع يجب أن يقوم على مبادئ علمية تحترم حقوق الإنسان، حيث لا يُستخدم الدين كغطاء للهيمنة الطبقية. نحن نؤمن بأن الدين يجب أن يكون عامل تحرر، وليس أداة للهيمنة.
⸻
4. موقفك من العدوان الأمريكي على العراق عام 2003
إن تحليلك للعدوان الأمريكي على العراق عام 2003 يشير إلى حقيقة دامغة وهي أن الولايات المتحدة قد خدعت العالم بحجة أسلحة الدمار الشامل، وتسببت في مقتل العديد من العراقيين. من منظور ماركسي، لا يمكن أن يكون العدوان الأمريكي على العراق مجرد تصفية حسابات سياسية مع النظام العراقي، بل كان هجوماً إمبريالياً محضاً هدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يتلاءم مع مصالح الشركات الكبرى، بغض النظر عن الثمن البشري والاقتصادي.
ومع ذلك، لا يمكننا إغفال أن العراق بعد الاحتلال شهد تدميراً هائلًا على جميع الأصعدة. ولعل أبرز ما ينبغي مناقشته هو دور الأحزاب السياسية في العراق بعد 2003، وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي، الذي اختار الدخول في مجلس حكم الاحتلال، مما يثير تساؤلات حول التزامه بمبادئ الاستقلال الوطني والنضال ضد الاحتلال. بينما نختلف في بعض النقاط حول تقييمنا لهذا الموقف، فإننا نؤكد ضرورة تصحيح المسار من خلال تقديم تقييم نقدي لهذه التجربة السياسية، ومعالجة الهزائم التي تعرض لها الحزب الشيوعي في سياق هذا التحالف مع الاحتلال.
⸻
5. موقفك من الحزب الشيوعي العراقي وتعاملاته مع الاحتلال
أنت تطرح مسألة غياب الاهتمام الكافي من الحزب الشيوعي العراقي بتطوير تراثه، مثل إهمال تعمير ضريح الشهيد فهد، الذي قدم حياته في سبيل مبادئ الحزب. أوافقك في أن الحزب الشيوعي العراقي يجب أن يعيد تقييم موقفه بشكل شامل، ويبدأ بالتركيز على تجديد دوره في خدمة الشعب، بعيداً عن تحالفات السلطة. إن الإهمال لتراث فهد وغيره من الشهداء هو إهمال لتاريخ النضال الشيوعي في العراق، ويجب أن يتم إعادة إحيائه بوصفه جزءاً أساسياً من هوية الحزب. التاريخ لا يُبنى على النسيان، بل على استلهام تضحيات الأبطال في سبيل بناء مجتمع عادل.
⸻
خلاصة الرد:
إن النقاش حول هذه القضايا يتطلب منا العودة إلى المبادئ الماركسية الأصيلة، التي تركز على مصالح الطبقات الكادحة والشعوب، والتي تستند إلى النضال من أجل العدالة الاجتماعية. نحن بحاجة إلى موقف نقدي حازم من الأنظمة التي تدعي مقاومة الإمبريالية لكنها تسهم في قمع شعوبها، وأن نكون حريصين على حماية حقوق الإنسان والحرية في جميع الساحات.
أشكرك مرة أخرى على طرحك لهذه المواضيع القيمة، وأتطلع إلى مواصلة الحوار معك في المستقبل.
مع خالص احترامي وتقديري،
د. علي طبله