الترامبية والهرمية العالمية المرتقبة.
أحمد زوبدي
2025 / 4 / 24 - 18:47
مع دونالد ترامب في نسخته الثانية، بدأت تتبلور هرمية عالمية جديدة ولا أقول نظام عالمي جديد لأن هذا الأخير وإن كان فعلا قائما فإنه يبقى نظاما مبتورا لا يوفر شروط التكافؤ وشروط التنمية لباقي الدول غير المتطورة، كما أنه يبقى نظاما للأقوى ولا يوفر شروط الحرية.
صحيح أن الترامبية ( trumpisme) هي وليدة أوليغارشيات عالم الأعمال والمال قد سمحت بمنح أقراص مسكنة لأمريكا للتخفيف من شدة أزماتها خاصة مسؤوليتها كدولة وليس كشعب مارقة في ارتكاب جرائم حرب غير مسبوقة ودعم الصهيونية في حرب الإبادة التي تفرضها على الشعب الفلسطيني، لكنها (أي أمريكا) بدأت تفقد سيطرتها على العالم لأنها فقدت تفوقها التكنولوجي. ولهذا، دشن دونالد ترامب سياسته الخارجية بسن الحمائية، وهي حرب تجارية مكشوفة، بهدف سد العجز التجاري ومعه عجز ميزان المدفوعات الناتجان عن الارتفاع المهول للمديونية وانفاقات تكاليف الحروب التي تشنها الامبريالية، حليف الصهيونية، من كل حدب وصوب، فضلا عن حماية الصناعات الأمريكية.
وبما أن الدولار لازال من بين العملات الرئيسية( devises-clés )، فقد عمدت أمريكا ومعها طبعا ترامب وفريقه على محاولة تجاوز أزماته عبر التجارة الخارجية بفرض الرسوم الجمروكية على صادرات الدول وعلى رأسها الصين الشعبية. أكيد أن هذا القرار لن يحل مشكل الأزمات الهيكلية للولايات المتحدة الأمريكية، لكنه سيكون له تأثير ظرفي على المستوى النفسي لترامب ومحيطه السياسي والاقتصادي ( رجال الأعمال والمال).
الصين الشعبية المتفوقة اليوم تكنولوجيا عملت هي الأخرى على الرفع من الرسوم الجمروكية كرد فعل آني إزاء أمريكا الفاشستية. ستكون ( أي الصين) القوة المرشحة لقيادة العالم ليس وحدها لكن إلى جانب مجموعة من الدول وعلى رأسها دول البريكس ( brics) في حلتها الأولى وليست الحلة الموسعة، فضلا عن انضمام بعض دول أمريكا اللاتينية إلى هذا الحلف القوي وعلى رأسها كوبا وفينزويلا والبرازيل.. دون استثناء إيران.
مما يعني أن العالم يعرف اليوم صراعا كبيرا بين الدول المتنافسة أي الحلف المذكور والحلف الأطلسي الذي بدأ يتفكك ولو ببطء، وبدأ يتبلور إثره نظام عالمي جديد ولو أن مفهوم النظام العالمي هو مفهوم مبتور و مبهم، كما قلت أعلاه، في غياب عالم متعدد الأقطاب تحترم فيه السيادة الوطنية وحقوق الإنسان، إلخ. المفهوم الوجيه الذي يعطي توصيف دقيق للنظام العالمي المبتور أو قل اللانظام العالمي القائم على اعتبار أن الأمر يتعلق بتحول ( métamorphose) كبير في بنيات الرأسمالية هو بلورة هرمية أو تراتبية عالمية( hiérarchie mondiale) جديدة في ظل احتدام الصراعات على أشدها. مفهوم التراتبية أو الهرمية العالمية يترجم بدقة موقع كل دولة على حدى حسب مستوى تقدمها وتأثيرها عالميا. ليس هناك حتى الآن غالبا أو مغلوبا في المطلق ( أقول في المطلق وليس على المستوى النسبي حيث الثالوث ( أمريكا، أوروبا، اليابان) هو من يمسك بالكثير من الأمور) وإن كانت أمريكا لا تزال تتمتع بالجانب الرمزي أي الهيمنة منذ الحرب العالمية الأولى بعد سقوط إنجلترا أي فقدان هذه الأخيرة هيمنتها على العالم بفضل هيمنة الجنيه الاسترليني والتفوق الصناعي، في موجته الأولى، آنذاك.
في المستقبل المنظور، تتجه الولايات المتحده الأمريكية ليس نحو الانهيار، رغم المزاحمة الكبيرة من طرف حلف الصين، والتي ستجعلها تفقد هبتها، ومعها طبعا المكونات الأخرى للثالوث ( la triade) المهيمن اليوم أي أوروبا واليابان، لكن بمفردها تبقى قوة عالمية لا يستهان بها. من جانب آخر، سيتم تجاوز أمريكا من قبل الحلف المرتقب المذكور وبالتالي سيصبح العالم يتأرجح بين وضعيتين. إما أنه (أي العالم) يصبح متعدد الأقطاب ، وهو السيناريو ذي الاحتمال الضعيف أو أنه سيعرف قيام مجموعة من الدول، وليس دولة واحدة أي قيام تحالف أو حلف كما سبق الذكر حول الصين الشعبية. و يعني ذلك أن الصين لن تكون مهيمنة في المطلق في هذا التحالف كأمريكا لكن ستقود الحلف إياه. ستكون إذن، هذه المجموعة هي المهيمنة، وهو السيناريو المحتمل، مما يؤدي إلى تغيير في موازين القوى وبالتالي ستعرف الدول التابعة للحلف الاطلسي بعض الانفراج وستنفتح مرغمة على الحلف الذي تقوده الصين الشعبية.. علما أن العالم سيكون دائما يعرف هرمية تنطلق من الدولة أو الدول المسيطرة في اتجاه الدول الأقل نموا والمتخلفة مرورا بالدول الوسيطة.
السيناريو الأخير هذا سيسمح بتآكل النيوليبرالية مع انتهاء إجماع واشنطن( consensus de Washington) بعد أن دعا ترامب إلى تبني سياسة اقتصادية أساسها السياسة الحمائية وصعود كينيزية جديدة (nouveau keynésianisme) يصبح فيها جهاز الدولة الأداة المحورية في ضبط الاقتصاد وليس السوق المضبط من ذاته ( auto-régulation du marché).
للتذكير، إجماع واشنطن انطلق في بداية الثمانينيات مع ريغان وتاتشير وتأسس على تحرير الاقتصاد وانطلاق الليبرالية الجديدة. وقد أدى إلى تكريس الفيروس الليبرالي الذي خلق مجتمعات متفككة في الغرب مع انتهاء صلاحية الديموقراطية الليبرالية وفرض على أغلبية دول الجنوب باستثناء بعض الدول البازغة الابارتهايد الاقتصادي وبعض منها تعيش اليوم الإبادة الجماعية، الشعب الفلسطيني نموذجا.
هناك من يرى أن نهاية إجماع واشنطن سترافقه ولادة إجماع بكين (consensus de Pékin) أي كما سبق ذكره ترشيح الصين الشعبية لزعامة العالم ليس بمفردها، لكن من خلال قيادة جماعية تكون النقيض لأمريكا وحلفائها.. وهذا يذكر بمرحلة الحرب الباردة التي عرفت القطبية الثنائية ( bipolarité) بين أمريكا والاتحاد السوفياتي.
.