رد على تعليق الرفيق صباح كنجي على مقالة -نقد ذاتي للخطاب اليساري في العراق-


علي طبله
2025 / 4 / 24 - 10:44     

رد على تعليق الرفيق صباح كنجي على مقالة "نقد ذاتي للخطاب اليساري في العراق":
حول “نهاية دور الأحزاب الشيوعية” والحاجة إلى الجديد

الرفيق صباح كنجي المحترم،
تحية رفاقية وبعد،

نثمّن عالياً مساهمتكم في النقاش حول مقالة “نقد ذاتي للخطاب اليساري في العراق”، وهي مساهمة تنبع من تجربة نضالية وفكرية نعرف قيمتها. تحليلُكم الجريء لأزمة اليسار، والحزب الشيوعي العراقي تحديدًا، لا يُثير خلافًا مبدئيًا بل يحفز على تعميق الحوار حول طبيعة المرحلة، ومهام القوى التقدمية، وشكل التنظيمات الثورية الممكنة.

مع ذلك، نود تسجيل عدد من الملاحظات النقدية، استنادًا إلى منظور مادي-تاريخي ماركسي، دون رفض ما ورد، بل بالحفر فيه.



أولاً: هل انتهت “الرسالة التاريخية” للأحزاب الشيوعية؟

عبارتكم بأن “الأحزاب الشيوعية قد أدّت رسالتها التاريخية”، تستدعي تدقيقًا مفاهيميًا. في المنهج الماركسي، لا توجد “رسالة” تنتهي بشكل ميتافيزيقي، بل توجد مهمات تاريخية محددة، تفشل أو تنجح بحسب علاقتها بالبنية الطبقية، والوعي الجماعي، وأدوات الصراع.

نعم، الكثير من الأحزاب الشيوعية فشلت في التكيّف مع التحولات العميقة في مجتمعاتها، وسقطت في الجمود التنظيمي، أو البيروقراطية، أو العزلة عن الجماهير. لكن هل يعني هذا أن مشروع الاشتراكية ذاته انتهى؟ أن الفكرة الثورية بتحرير الإنسان من الاستغلال باتت بلا جدوى؟

ماركس لم يطرح الاشتراكية كنبوءة، بل كـنتيجة ممكنة – وليست حتمية – لصراع تاريخي طويل الأمد. ما دمنا نعيش في عالم مقسوم إلى قلة تملك وأكثرية تُستغل، فإن الصراع الطبقي باقٍ، وإن الأداة التنظيمية لهذا الصراع (الحزب أو الحركة أو الجبهة) تبقى ضرورة.



ثانيًا: في نقد فكرة “الحركات الاجتماعية بديلاً عن الأحزاب”

توصيتكم بتأسيس “حركات سياسية-اجتماعية جديدة تعبر عن الأمل الاجتماعي” صحيحة من حيث استيعاب الواقع الجديد. لكن يجب التمييز بين الحركة كحالة اجتماعية (كاحتجاج، تمرّد، أو شبكة مطالب) والحزب كأداة تنظيمية وفكرية لتجميع التناقضات وتوجيهها سياسياً.

الحركات الاجتماعية، بطبيعتها، عفوية، غير مركزية، غير مؤدلجة غالبًا، وتتحرك ضمن أفق المطالب الجزئية. وهي بحاجة إلى فكر استراتيجي، إلى تحليل طبقي، إلى وعي تنظيمي، كي لا تُستهلك وتُختطف. وهنا يأتي دور القوى اليسارية المنظّمة، لا كـ”قيادة فوقية”، بل كرافعة تنظيمية وكادر مثقف وملتزم.

البديل ليس “الحركة أو الحزب”، بل الربط الجدلي بين حركات اجتماعية جماهيرية، وتنظيم ماركسي متجدد، لا دوغمائي ولا بيروقراطي.



ثالثًا: حول الاشتراكية و”خسارة الجولة”

صحيح أن المنظومة الاشتراكية السوفيتية انهارت، لا بفعل مؤامرة خارجية فقط، بل بسبب تناقضاتها الداخلية، البيروقراطية، غياب الديمقراطية الحزبية، والتكلس الفكري. لكن خسارة جولة لا تعني نهاية المعركة.

اليوم، يعود الخطاب الاشتراكي – حتى في مراكز الرأسمالية – كرد فعل على انفجار الفجوة الطبقية، تدهور المناخ، قمع الحريات، وتحوّل الدولة إلى خادم للطبقة المالية. هناك تجارب يسارية راديكالية تتشكل في أمريكا اللاتينية، أفريقيا، آسيا… بل وحتى في أوروبا. هل هذا كله مجرد “أثر متأخر” لفكرة انتهت؟

بلغة ماركس: “الناس يصنعون تاريخهم، لكنهم لا يصنعونه كما يشاؤون…”
ونحن اليوم، ورغم كل الهزائم، نُجبر على أن نعيد التفكير، لا بالهروب من الاشتراكية، بل بتجديد أدواتها، وتجاوز أخطائها.



رابعًا: ما الجديد؟ ومن يصنعه؟

إذا كانت المرحلة تتطلب أدوات جديدة، فالمطلوب ليس نسيان ما كان، بل بناء ما يجب أن يكون انطلاقًا من فهم ما كان ولماذا فشل.
و”الجديد” الذي يجب أن يصنعه اليسار العراقي لا يعني تفكيك الهوية الطبقية، بل إعادة بنائها في مواجهة الطائفية، الذكورية، الريعية، والاحتلال الناعم.

الجديد هو:
• لغة جديدة تُخاطب الحاضر لا الماضي.
• تنظيم مرن، لا مركزي، متجذّر في القاعدة.
• قيادة تتعلم من القاعدة لا تملي عليها.
• مشروع تحرر يجمع بين الاقتصاد والسيادة والكرامة الإنسانية.



خاتمة

نعم، لم يعد الانتظار مجدياً. لكن الطريق لا يبدأ من الصفر، بل من نقد التاريخ، لا دفنه.
الحزب الشيوعي العراقي – وغيره من قوى اليسار – لم ينتهوا كضرورة، بل كصيغة قديمة تحتاج إلى تجديد.

والتجديد لا يأتي من إعلان موت الحزب، بل من تحويله إلى كيان قادر على الاعتراف، والمساءلة، والانبعاث – لا بالشعارات – بل بالفعل الملموس.

مع التقدير الكبير لكم، ولحواركم الصريح
د. علي طبله
—————————————————-

واورد ادناه تعقيب الرفيق صباح كنجي:
بحث علمي جريء يهدف الى معالجات حقيقية لاوضاع الحزب الشيوعي العراقي واليسار مرتبطة بمعالجة المعضلات والمشاكل التي تواجه المجتمع العراقي.. يحتاج للمزيد من النقاش الجدي وتبادل الاراء مدعوماً بمبادرات لعقد لقاءات فاعلة.. تستخلص نتائج عملية تؤسس لحركة تغيير مطلوبة.. لم يعد الانتظار مجدياً.. والمطلوب هوتحديد الاتجاه وفق رؤية جديدة تشخص طبيعة الصراعات الراهنة ومحتواها.. والحاجة للبحث عن الفئات التي تشكل الدعامة الرئيسية للتغيير.. وفي راي ان الاحزاب الشيوعية ادت رسالتها التاريخية.. ونجحت في مواجهة الظلم والاستبداد والعنف والحروب.. وحققت مآثر لا يمكن نكرانها .. لكنها فشلت في تحقيق اهدافها وتطبيق شعاراتها.. التي كانت تسعى لتحقيق مستقبل افضل.. من خلال الاشتراكية والحرية بمعناها الجوهري في مجال العمل وحقوق الانسان والمرأة.. ولم تستطيع ان تدافع عن -الانظمة الاشتراكية- وتحافظ عليها فخسرت الجولة. والأن المطلوب (حركات سياسية ـ اجتماعية) تعبر عن الامل الاجتماعي. وفقا لطبيعة عصرنا وتحولاته السريعة والعاصفة.. الشيوعيون في العراق وبقية البلدان عليهم ان يبادروا لتأسيس الجديد.. الجديد المطلوب في عصرنا